ما ان يؤذن في الناس بدخول هلال رمضان المبارك حتى تندلع رسائل التهنئة وتنهمر على جوالات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولأنني فرد من هذا النسيج الحيوي، فإن هاتفي يستقبل كماً لا بأس به من الرسائل المنوعة والطريفة والغريبة والطويلة، وفي الرد على بعضها مشقة مادية على جيب أخيكم! وأدبية في كيفية الرد، فهل أكتفي مثلاً بكلمة شكراً فقط؟! أم شكراً وجزاك الله خيراً؟ أم وأنتم كذلك في حال الدعاء؟! مع احتفاظي بكليشة جاهزةٍ للرد الفوري على تلك الرسائل التي تحرك مياه شركات تقديم الخدمة نحو استنزاف موارد المواطن بالتهاني والتبريكات! وقد أعجب برسالة أحدهم فأحفظها لديّ لإرسالها بدلاً من سبك رسالةٍ جديدةٍ، وأذكر في هذا أنني قمت بالرد على أحدهم برسالةٍ وصلتني منذ أمدٍ بعيدٍ، ولم أنتبه لأنها مذيلة باسم صاحبها، فبعثتها كما وردتني قبل أن يجيبني الهدف المتلقي بعتابٍ رقيقٍ لكسلي في تدبيج رسالةٍ خاصةٍ به. أما أغرب رسالةٍ وصلتني في هذا الشهر المبارك، فتقول: ويدك التي تمتد لفتح هذه الرسالة، هي أول أفراحي بأنك لست أحد المصفدين! حلت بي الظنون وحامت في عقلي الوساوس والشكوك، هل نما إلى علمه أنني لا سمح الله قد أوقفت أو سيتم توقيفي؟! أم لعله حاول الربط شرطياً بيني وبين الشياطين الذين صفدوا حينما دخل رمضان؟! لم أجد بداً من الحوقلة والاستعاذة من شر طوارق الليل والنهار، متذكراً طرفةً غريبةً عن مجموعه من المساجين حكم عليهم بالسجن المؤبد، وكان معهم داخل الزنزانة كتاب للطرائف مؤلف من ألف صفحةٍ استخدموه لقتل الملل، حتى حفظوا الكتاب من كثرة الترداد والقراءة، ثم تطورت بهم الحال إلى حفظ رقم النكتة، وأصبحوا يضحكون إذا ذكر رقم الطرفة فقط، فيقول أحدهم نكتة رقم 56 ليضحك الجميع عقب ذكر الرقم متذكرين أصل الطرفة، طال بهم الأمد على هذه الحال، وانضم إليهم في تلك الزنزانة مسجون جديد، وحفظ الكتاب معهم، ثم أصبح يلقي النكتة بالرقم على طريقتهم السابقة، فيقول نكتة 44 فلا يضحك الحضور، بينما إذا ذكر أحدهم رقم نكتةٍ أخرى، ضحكوا! فلما سألهم عن سر هذا الوجوم إذا تلا عليهم رقم النكتة، بينما يهشون ويضحكون إذا تلاها أحد غيره، أجابوه بأن العبرة ليست في النكتة بل في أسلوب الإلقاء!! ربما لم أفهم طلسم الرسالة، لأن العبرة بنوع الجوال الذي استقبلها!