تصلك رسالة بالجوال من أشخاص في قائمة الأسماء، فتعرف أنها تحمل في طياتها "نكتة " كتبت بلغة مشتركة ومفهومة بين طرفي الرسالة , و تصبح لغة هذه الطرفة غير مفهومة إذا اجتهد أحد الأطراف بإرسالها إلى ثالث لا يملك مقومات فك شفرتها . فمثلا نكتة تقول : عجوز من أحد مناطق وسط المملكة تقول للطبيب العربي الذي يقوم بعلاجها :بطني توجعني حتى إذا أكلت أدناة الدون . فيرد عليها الطبيب : خلاص يا ستي كلي حاجة ثانية غير أدناة الدون . فلما وصلت النكتة لطرف ثالث رد عليه بالانجليزي بأنه لم يفهم النكتة وكأن الرد بالانجليزية سيفهمه النكتة . و طالما أني دخلت في موضوع النكت فسأسرد التطور على نكت المستثقفين حيث تقول النكتة " مستثقف مسوي أمسية ثقافية بعنوان " نجيب محفوظ و إلا ما نجيبه ؟ من هنا أصبحت جيوبنا تحمل من خلال هذا الجهاز الصغير " الجوال" فروعا لقلاع كوميديا الارتجال في أوروبا و الولاياتالمتحدة . و أصبحت النكتة تكتب على لسان معظم الجنسيات و بتفريعاتها الدقيقة حسب المنطقة و حسب الحالة العقلية و حسب الجنس و العمر . و لو حاولنا دراسة الفئات التي تقال على لسانها النكت لصنفناها اجتماعيا إلى فئات،ترى فئة من يكتب النكتة على أنها دونية . فالنكتة على جنسية ما فيها شيء من التسطيح لمجتمع بكامله،و كذلك الفئات العمرية خاصة تلك التي تبدأ ب " فيه عجوز " ثم تستمر في سرد الاستخفاف بالعجائز من دون قصد و لكنها ترسخ صورة ذهنية سلبية يصعب إزالتها . لذا كانت النكتة الشعرية النبطية عن المرأة العجوز و المرتبطة بالقهوة العربية راسخة و بقوة إلى عهد قريب ,و هي تقول " الدله اللي ما تبهر من الهيل مثل العجوز اللي خبيث نسمها " . المشكلة أن القائل ربما عجوز ذكوري لم تتح له فرصة النفخ في بالون اختبار روائح الفم ليعرف كم ستتأذى فرشة الأسنان من خبث نسمه إن كان وصفه دقيقا . الأسوأ من هذا عندما تصبح النكتة مدرسة للثقافة الجنسية ومبنية على التلاعب بمفردات اللغة أو الصور البلاغية وتصبح متداولة بين الفئات العمرية بدون حسيب أو رقيب على انعكاساتها على الأصغر عمرا من حيث العلاقة بين الأزواج و معنى الأسرة و غير ذلك من رباط المجتمع . من هنا دخل الشباب حلبة الوصف بين الجنسين و هنا خطورة النكتة عندما يصف الرجل الكبير المرأة و تصف المرأة الرجل من باب الطرفة و يصل هذا الوصف لمن هو أصغر سنا و لا يعرف من العلاقات بين الجنسين إلا علاقته بالجنس الآخر من محارمه , عندها تصبح الأنثى أو الذكر من خارج هذا المحيط مسرحا للتفسير من بوابة النكتة , ولنتخيل قليلا طبيعة العلاقة الزوجية المستقبلية بينهما من جراء هذا الاجترار الكوميدي المختزل . يبدو أنني استرسلت كثيرا في التراجيديا بالرغم من أن الموضوع عن الكوميديا , ولكن قبل أن اخرج عن هذا الجو الجاد أود أن اطرح فكرة مبادئ ميثاق شرف بين العرب حتى لا تصبح النكتة سببا في المزيد من الفرقة و التباعد, و حتى بين المواطنين , و ربما لو عدنا إلى ثقافتنا العربية لوجدنا أن هناك الكثير من عوالم الشخصيات التي توضع على لسانها النكت أو الحكم مثل الحيوانات و الطيور أو أرباب المهن , و الآن أصبح المجال لدينا أرحب فلدينا شخصيات الكرتون و المخلوقات الفضائية و غيرها , فلماذا نبتهج على شقاء الآخرين؟ في ما يبدو لي أن الدراسات النفسية و الاجتماعية لم تقدم لنا هذا البعد العلمي الذي لو اكتشفنا مخاطره لما و لجنا فيه. و لذا أصبحت النكتة تطلق بلا قوانين و لا عقوبات لأنها مجهولة المصدر. و لكن لنعرف أن العرب في الولاياتالمتحدة قد سبقونا في الاستفادة من القوانين الاجتماعية التي تجرم النكت العنصرية لأنهم كانوا ضحاياها. ولا أعتقد أن مجتمعنا ببعيد عن سن مثل هذه القوانين .و لكن متى ؟ عندما تقال النكتة العنصرية في مجال العمل و يستاء منها زميل تنطبق عليه النكتة . عندها سيصبح مطلق النكتة عرضة للجزاء وربما ما هو أسوأ من ذلك . و لذلك كانت العرب تقول : أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله, وما مزح امرؤ مزحة إلاً مجً من عقله مجًة . و إلى حين أن نقرر قواعد أو قوانين للنكتة و مقاضاة حامل المحتوى مثل شركات الاتصالات،فلنجتهد أن نجعل منها تسلية لا تقلل من آدميتنا أو آدمية من يعيش بيننا . فلكل منا له أحاسيس و مشاعر و كرامة لا نريد لها أن تُمس أو تُخدش.