توزع الأطفال قبيل الإفطار مساء أمس، على شكل شبكات غير منظمة في الأحياء، لإيصال الوجبات التي أعدتها أمهاتهم إلى الجيران، وهي عادة متوارثة، تعرف في الأحساء ب"النغوصة". وتأتي هذه العادة على قائمة أولويات الترابط الاجتماعي في هذا الشهر. وتبدأ"النغوصة"في آخر لحظات العصر، وقبل أن يعلن المؤذن الإفطار، وتأخذ أشكالاً عدة، من أبرزها خروج الأطفال في ساعة محددة"في صورة تهدف إلى تعويدهم على الترابط الاجتماعي"، بحسب عمار العويض، مضيفاً:"حين يتكفل الأطفال بإيصال الأطباق المعدة خصيصاً للجيران، ويلتقون في وسط الطريق تلمح منهم نظرات عفوية، لكنها معبرة، وكأنها نظرات شكر وامتنان وسعادة". ويقول:"لا يمكن أن تكون الأطباق المعدة لوجبة"النغوصة"مكشوفة، بل يجب أن تغطى حتى لا يكون هناك تمييز بينها، وأيها أفضل أو أكثر، مراعاة لمشاعر الجميع، ويمد الطفل يده بها للجار مردداً"فطوراً مباركاً"، أو ينطق بكلمة"عافية"فقط، وتعني"بالهناء والعافية"، ويرد عليه الجار الممتن بالدعاء ويردفه بمقولة"مرزوقين خيراً"، وهي عبارة شعبية قديمة". ويؤكد قاسم الحميدان، أن"هذه القيمة الأخلاقية التي تحملها هذه العادة لا يمكن أن توصف بكلمات، لأنها تحوي أخلاقيات كثيرة جداً، ونحن ومنذ صغرنا كنا ننتظرها ونسعد بها، ولا ندري لماذا، لكن المهم أنها ساعدت في توثيق علاقاتنا بجيراننا، ولم يكن هناك من يبيت دون فطور في رمضان على الإطلاق، وغالباً ما تزدحم المائدة بأصناف كثيرة، بفضل هذه العادة". وأثارت هذه العادة الشعبية حفيظة سيدات الأحياء، وأصبح التنافس بينهن على تقديم أطباق مبتكرة وفريدة أمراً يتطلبه المظهر العام. وتقول زينب محمد الوهيبي:"كنا سابقاً نعرف من هي الأفضل في إعداد أطباق شعبية مثل"الهريسة"و"المفلق"وغيرهما، بل كانت صاحبة هذا التفوق تمنح الامتياز الاجتماعي، حتى أن زوجها يفخر بها، لأن تميزها في إعداد هذه الأطباق يدل على أنها سيدة مجتمع من الدرجة الأولى"، مشيرة إلى أن"الوضع الآن تغير، فأصبح التركيز على الأطباق الحديثة المبتكرة، التي تستعين السيدات لإعدادها ببرامج الطبخ أو المواقع الإلكترونية وحتى الكتب، ودائماً ما تحتفظ السيدة بالوصفة لنفسها، والبعض يرسلها من باب المساعدة للجارات، لكن يمكن أن نطلق على هذه الظاهرة بعيداً عن هدفها الرئيس أنها عادة تجبر النساء على دخول المطبخ". وتكثر هذه العادة وبشكل خاص في القرى، ويعد التخلي عنها"عيباً اجتماعياً لا يغتفر"، ومنها تفرعت موائد الإفطار الجماعية التي تقام بجهود سكان القرية، الذين يجتمعون حول مائدة واحدة ضخمة، إلا أن هذه المائدة تقام لليلة أو ليلتين، أما"النغوصة"فلا تتوقف على مدى الشهر بكامله. ويقول سلمان الحاوي:"نسمع عن عائلات لا تفطر إلا على صنف أو صنفين، لكن يستحيل أن تجد عوائل مماثلة عندنا، والسبب في ذلك أن هذه العادة الشعبية تعوض هذه العائلات ضيق الحال بصورة عفوية، ومن دون تمييز حتى لا تصاب الأسر المتعففة بحرج، لأن المقتدر والفقير سيشاركان فيها، وكل بحسب قدرته، وهو أمر جيد ناتج من كرامات هذا الشهر الفضيل". +