دعاني جاري مساء هذا اليوم لتناول الإفطار معه على مائدته العامرة، وقال لي: إن إحدى القنوات الفضائية ستكون ضيفةً عليه بكاميرتها على خوان الطعام! وقد ثمنت له طيب دعوته، ودعوت الله له في سري أن يجزيه خير الجزاء، لحرصه على ظهوري التلفزيوني في تلك القناة، وسد مسغبة جوع الإمساك بما أباحه الله تعالى من طعامٍ في داره المباركة، غير أنني ما زلت أذكر أن حضور كاميرا التلفزيون إلى عين المكان وقلب الحدث، لم يعد يخلب لب المشاهدين والمتطفلين على التصوير كما كان يفعل من قبل، بسبب كثرة القنوات الفضائية في زمن الفضاء والبث الرقمي. حتى إنه ليخيل للإنسان أن في كل زاويةٍ كاميرا، وعلى رأس كل شارعٍ مصور تلفزيوني، وأذكر يوماً أن مذيعاً استوقفني في الشارع العام، وطلب رأيي في حدثٍ اقتصاديٍ ما، فأدليت بدلوي بما فتح الله علي، وكنت حريصاً على التزام جانب الأدب والحكمة والهدوء ووزن الكلام! وكذا فعل صديقي. ثم سألنا الأخ المذيع عن ساعة عرض اللقاء، فذكر لنا الساعة والتاريخ، لأرفع سماعة هاتفي وأزف البشارة إلى الأقارب والزملاء والحارة! كذلك فعل صديقي، بل إنه أرسل لأحدهم بأن يترقب الساعة الفلانية للقناة، اذ سيظهر فيها محب، وسيشكل ظهوره مفاجأة كبرى للمشاهدين! وظن صاحبنا أنه تحول بذلك اللقاء إلى الأستاذ طلعت حرب أبو الاقتصاد المصري! ولم نطق الصبر، فغادرنا موقعنا إلى منزلي، وبضغطة زرٍ قمت باستخراج القناة التي حذفتها منذ أعوامٍ، والتي لا أتابعها أصلاً إلا في معرض تقليب المواجع، أعني القنوات للبحث عن جديدها في زمن التكرار، وطلبنا الشاي والقهوة والمكسرات، وجلسنا في خشوعٍ وتبتلٍ بين يدي التلفزيون، كجلوس المريد بين يدي شيخه! وجاء البرنامج، وعرضت فيه اللقاءات التي أجريت ولم نظهر نحن، وطال انتظارنا لأكثر من ساعةٍ ونصف الساعة، اضطررنا فيها لسماع جميع ألوان التحليلات والثرثرة، ونحن نمني أنفسنا حب الظهور الذي قصم الظهور، ولما دب اليأس إلينا، منينا أنفسنا أن يظهر أحدنا، بل لو ظهر وجه أحدنا خلسة ولو على خلفيةٍ صامتةٍ كأفلام شارلي شابلن. ثم تلقى زميلي رسالةً من ذلك الصديق يقول فيها: فتحت القناة، وتركت أشغالي لأجلك، ولم أر في قناتك تلك محباً ولا عدواً.