ونحن نستقبل هذا الضيف المبارك شهر رمضان الكريم الذي فضله الخالق سبحانه وتعالى على بقية الشهور، ففرض فيه الصيام، وفيه نزل القرآن، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفي أيامه ولياليه تصفد الشياطين، وفيه الكثير من الفضائل والميزات التي خص بها هذا الشهر من دون سواه، والتي يسعى لها الصائمون ويجتهدون من اجل اغتنامها والفوز بالخيرات التي لا تحصى. ويهل علينا هلاله هذا العام ونحن نعاني من ظاهرة لم نعتدها وهي الغلاء الفاحش في الأسعار، مع شح أو ندرة المياه، ما أضاف إلى معاناة الغلاء معاناة الحاجة الحيوية للماء في جميع أرجاء بلادنا، وتلك المعاناة تسببت في ظاهرة سلبية أخرى هي تزاحم أعضاء الأسر وبشكل لافت على المتاجر التي تعلن عن"التنزيلات الوهمية"لبعض السلع خصوصاً الغذائية التي أوشك تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، وأنا هنا لست بصدد الخوض في غلاء الأسعار الفاحش أو ندرة المياه، لكني أود التطرق لخبر قد يكون له ارتباط بظاهرتي غلاء الأسعار وندرة المياه، وهو خبر نشر في صحيفة"الوطن"بعددها 2893 بتاريخ30 - 8 - 1429ه جاء فيه:"يعتزم 4 طهاة سعوديون تسجيل رقم قياسي عالمي من خلال تحضيرهم لأكبر طبق شوربة في العالم، بسعة قدرها 5 آلاف لتر، وذلك في أحد المراكز التجارية بجدة الخميس المقبل، ومحاولة الطهاة الأربعة ترعاها إحدى الشركات، وسيحضرها ممثلون عن موسوعة جينيس للأرقام القياسية لمتابعة الحدث الذي سيضاف إلى نسخة الموسوعة في 2010"انتهى الخبر. وتداعت علامات التعجب في العقول والنفوس الحيرى وهي تتساءل: هل أيامنا هذه التي يعاني فيها المواطن والمقيم أزمات اقتصادية ومصاعب معيشية هي التوقيت المناسب لعرض صور الترف وأنواع البذخ من اجل دخول إلى الموسوعة العالمية، ذلك المرجع الذي يحتوي على الأرقام القياسية العالمية المعروفة؟ ولماذا لا نسعى لدخول الموسوعة إلا من خلال ما تعبأ به الكروش"الأكل"؟ وكم هي المقادير التي سيحتاجها ذلك الحساء، بينما صرخات الحاجة والفاقة المقترنة بالغلاء بحت بها الحناجر؟ وبالطبع فإن المقادير المستخدمة في إعداد هذا الحساء ستسهم في المزيد من ارتفاع أسعار الأصناف من المواد الغذائية التي ستستخدم في الطبق الجبار، لأنه سيستنفد كمية كبيرة من الموجود في الأسواق التجارية، وكم من المياه ستحتاجه تلك الشوربة، بينما آلاف الأسر وبالأخص في مدينة جدة يتمنون تلك الكمية من المياه لتعينهم على الصيام في شهر رمضان؟ وما مصير ذلك الحساء بعد الانتهاء من تحضيره وتذوق البعض الجزء القليل منه للتأكد من جودته التي تؤهله للدخول في سجل موسوعة"جينيس"بعد اخذ الصور التذكارية مع"القدر"الضخم الذي أعدت فيه؟ لماذا لم تتم الاستفادة من تلك الأموال التي ضخت من اجل هذا العمل في دعم تبرعات، أو حسنات لمن لا يجدون كسرة خبز لينعموا بطعام بعد نهار صومهم؟ [email protected]