على رغم قبول نهى عارف كمتدربة في قسم الخدمة الاجتماعية التابع لأحد المستشفيات الكبرى في جدة، إلا أنها لم تستطع الالتحاق بذلك العمل، الذي كانت تحلم به طوال أيام دراستها الجامعية، نظراً إلى رفض والدها عملها في مكان مختلط. وعزت عارف السبب إلى عادات وتقاليد عائلتها التي لا تسمح للفتيات بالعمل إلا في مجال التدريس سواء في المدارس أو المعاهد، أو تلك المجالات المقتصرة على النساء فقط. وتقول:"لم أكن أتوقع موقف أبي القاطع بمنعي من العمل في مستشفى، وإصراره على بقائي في المنزل، إن لم أجد وظيفة في إحدى المدارس". ونهى عارف واحدة ممن اخترن البطالة لعدم توافر وظائف في قطاعات التعليم المفضلة كبيئة عمل لدى أسرهن. بدورها تقول خريجة قسم الأحياء الدقيقة منذ سنة ونصف ريم غازي"تقدمت للعديد من المدارس الخاصة، ولم أجد وظيفة شاغرة، خصوصاً وأن تخصصي ليس نادراً، إذ هناك المئات من خريجات هذا التخصص لم يجدن وظائف في مجال تخصصهن في سوق العمل". وعلى رغم أن تخصص ريم يؤهلها للعمل في المختبرات الطبية، فإنها ترفض التقدم لتلك الوظائف في المستشفيات الخاصة، وتقول"لا أفضل العمل المختلط، كما أن أسرتي لا رغبة لها في أن اعمل في مستشفى". أما هيفاء عبدالرحمن التي تخرجت في قسم المحاسبة منذ ثلاث سنوات فتقول"تقدمت للعمل في بنوك ومدارس كثيرة، وكنت أواجه في كل مرة بسؤال عن خبرتي العملية، إذ إن العمل مشروط بعدد سنوات الخبرة، وعدا ذلك ليس هناك مجالات عمل أخرى متوافرة لخريجات قسم المحاسبة". وتشير هيفاء إلى أن عدم التحاقها ببعض وظائف المحاسبة المتوافرة داخل المستشفيات، هو نزول عند رغبة والدها برفض أي عمل لابنته في مكان مفتوح ومختلط. ورغبة نهى وريم وهيفاء في العمل تصطدم بالتحفظ المتوارث من عوائلهن الرافضة لعمل المرأة في المجالات غير التقليدية، وتعود أسبابه إلى انعدام ثقافة المجتمع وعدم الثقة بأفراده، إضافة إلى عدم تقبل فكرة العمل للمرأة خارج منزلها. يقول خالد السيف"38 سنة"،"أرفض أن تعمل زوجتي أو ابنتي أو إحدى نساء عائلتي في أي وظيفة غير التدريس"، عازياً سبب الرفض إلى عدم ثقته بإفراد مجتمعه. ويضيف"أخشى أن تتعرض لمضايقات من رؤسائها في العمل، وخارج نطاق العمل، في ظل عدم توافر الثقافة الكافية لدينا كسعوديين لاحترام المرأة، ومعاملتها كما يعامل الرجل الموظف". فيما أرجع محمد العتيبي سبب رفض بناته العمل في مجالات مستحدثة داخل سوق العمل، خوفاً عليهن من المجتمع السعودي، باعتباره مجتمعاً ذكورياً لم يعتد على مشاركة المرأة له. وفي المقابل كان للدكتورة سهيلة زين العابدين وجهة نظر مغايرة، إذ قالت ل"الحياة":"إن المرأة مارست العمل الطبي والتمريضي منذ زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعملها في المجال الطبي وداخل المستشفيات من الأعمال المتوارثة منذ صدر الإسلام وليس مستحدثة على مجتمعنا المسلم". وأوضحت"هناك العديد من العادات والتقاليد التي تمنع المرأة من العمل، وتحرمها من ممارسة الكثير من المهن التي يحتاجها سوق العمل، لافتة إلى أن الدين الإسلامي لم يحرّم اختلاط المرأة بالرجل مادام في إطار الضوابط الشرعية". هذا التحفظ والخوف أصبحا نسبيين إذ بدآ يتلاشىان في السنوات الخمس الأخيرة مع اقتحام المرأة السعودية عدداً كبيراً من مجالات العمل غير التقليدية، أرجع سببه بعض المتخصصين في سوق العمل، إلى زيادة نسبة الوعي بأهمية عمل المرأة لدى السعوديين، وارتفاع مستوى التعليم الجامعي بين أفراده، وكذلك تقبلهم لخروج المرأة إلى العمل في مجالات غير تقليدية سواء في المصانع أو الشركات والمؤسسات الخاصة، بما يتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي والضوابط الشرعية. وعن الوظائف غير التقليدية المتوافرة للمرأة في القطاع الخاص قال رئيس الموارد البشرية والشؤون الإدارية في إحدى شركات القطاع الخاص خالد أبوهليل ل"الحياة":"عزوف عدد من الجامعيات المؤهلات اقتحام مجالات العمل غير التقليدية في سوق العمل يعود للعادات والتقاليد الأسرية بسبب رفض عدد كبير من الأسر أن تعمل بناتها في مجالات عدة جديدة كانت أو مستحدثة على سوق العمل النسائي السعودي، خصوصاً وأن تلك الأسر تفضل اقتصار عمل المرأة في الوظائف التعليمية ما أسهم في ارتفاع معدلات البطالة النسائية إلى حد ما مع قلة الوظائف التعليمية المتاحة في الوقت الحالي، على رغم توافر فرص وظيفية للسيدات داخل القطاع الخاص تتناسب مع تعاليم الدين الإسلامي والعادات والتقاليد في المجتمع". وأضاف"هناك توجه من جانب عدد من شركات القطاع الخاص لتوظيف السيدات، حيث بدأت العديد منها في الحصول على الترخيص اللازم من قبل إمارة المنطقة ومكتب العمل، لافتتاح أقسام نسائية في شركاتها". وأوضح"أن هناك عدداً كبيراً من الوظائف الإدارية داخل الشركات يمكن توظيف السعوديات فيها، خصوصاً وأن التجارب الماضية أثبتت كفاءة المرأة باعتبارها أكثر إنتاجية".