أسهم حرص يوسف الحربي على عمل زوجته في مكان نسائي بحت في تعطل التحاقها بسوق العمل منذ تخرجها في قسم علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز قبل سبع سنوات، خصوصاً أن الوظائف التي وجدتها كانت تحت مسمى «إخصائية اجتماعية» في مستشفيات القطاع الخاص. وعلى رغم محاولات الزوجة المتعددة إقناع زوجها بتعديل فكرته بخصوص مجال عملها، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل. تقول مريم وهيب: «تخرجت في الجامعة على أمل الالتحاق بوظيفة أجد فيها كياني، خصوصاً أنني كنت على اقتناع بالقسم الذي تخصصت فيه بالجامعة وزاولت العمل في قسم الخدمة الاجتماعية في أحد المستشفيات أثناء تدريبي الجامعي». وأضافت: «إن مبدأ زوجي القاضي بعدم العمل في مكان مختلط، أسهم في تقلص الفرص الوظيفية أمامي، إذ أصبحت مقتصرة على المدارس الخاصة التي لم أجد فيها وظيفة تناسبني طيلة السنوات الماضية». وترى وهيب أن قناعة زوجها في عدم عملها داخل صرح طبي لقناعته بعدم جواز الاختلاط ومنافية هذا العمل للعادات والتقاليد التي تربى عليها.وتابعت: «أصبحت في حيرة من أمري، خصوصاً أن رفضه يتجدد وبوتيرة أقوى في كل مرة أحاول مناقشته في هذا الموضوع، ما دفعني إلى عدم النقاش وتفضيل الجلوس في المنزل من دون عمل». مريم وهيب ليست حالة فردية في المجتمع السعودي، فنهلة سليمان ترفض بقناعة تامة العمل في وظائف تجعلها تخلط برجال، وتفضل الجلوس في المنزل انتظاراً لوظيفة حكومية ولو بعد حين، وتقول: «فضلت الجلوس من دون عمل على رغم مرور خمس سنوات على تخرجي في الجامعة بقسم الكيمياء الحيوية، خصوصاً أن الوظائف المتاحة لي في سوق العمل هي وظائف في المختبرات الطبية وهذا يتعارض مع عادت وتقاليد أسرتي المحافظة التي ترفض أن تعمل الفتاة في بيئة مختلطة». أما سجى سالم فلم تكن أوفر حظاً من مريم وهيب ونهلة سليمان، فمكثت في المنزل بعد تخرجها في الجامعة خمس سنوات إلى أن وجدت وظيفة في قسم نسائي تابع لإحدى البنوك المحلية، تقول: «كان المبدأ المفروض من أسرتي أثناء بحثي عن عمل أن يكون بعيداً عن الاختلاط، وهذا أخَّر التحاقي بالعمل خمس سنوات منذ تخرجي في قسم إدارة الأعمال». وفي الوقت الذي ترى فيه فتيات أن العادات والتقاليد المجتمعية تعيقهن عن الالتحاق بسوق العمل، أكد وكيل كلية الأمير سلطان للإدارة والسياحة، أستاذ الموارد البشرية الدكتور شكيل حبيب أن المشكلة التي تعوق عمل المرأة ليست العادات والتقاليد، «لكنها عدم وجود حلول مبتكرة لعمل المرأة». وقال ل«الحياة»: «صحيح أن العادات والتقاليد كانت في السابق عائقاً، أمّا الآن فإن كثيراً من القناعات تغيرت، خصوصاً في ظل التأكيد على الضوابط التي تنظم عمل المرأة في سوق العمل»، وعبَّر عن اعتقاده «بأننا بحاجة إلى حلول مبتكرة تكرم المرأة وتضمن لها دخلاً اقتصادياً إضافياً للأسرة في الوقت نفسه، خصوصاً في ظل الضغوط التي تواجه الأسرة» . وأضاف: «هناك حالات نجاح كثيرة للمرأة العاملة من بيتها، لأن التوجهات المقبلة في سوق العمل مبنية على مفهوم العمل الافتراضي، أي ليس بالضرورة أن نغادر منازلنا ونحضر للمكاتب». من أهم العوائق عدم وجود المهارات المطلوبة في سوق العمل وأيضا نحتاج إلى حلول مبتكرة تسهم في عمل المرأة وفوق كل هذا أن يكون الاقتصاد في حال نمو نستطيع في ظلها إيجاد الفرص الوظيفية». من جهة أخرى، قالت عضو جمعية حقوق الإنسان سهيلة زين العابدين ل«الحياة»: «إن المرأة في صدر الإسلام كانت تعمل في جميع الأعمال، فعملت الصحابيات في مختلف المجالات ولم يكن هنالك إقصاء لها، وما يحدث في يومنا هذا هو تعطيل للمرأة، خصوصاً أنها حصرت في العقود الماضية في مجالات عمل محددة». وأضافت: «إلى يومنا هذا لا تزال مشاركة المرأة في مجالات العمل المختلفة بسيطة، إذ إن التركز العالي لمعدلات مشاركتها في العمل تتوقف على مجال التدريس فقط، إضافة إلى المجال الطبي». وترى أن حصرها لعقود في تلك المجالات جاء من باب «سد الذرائع ودرء الفتن»، ما أعاق تقدمها والإسهام في بناء وطنها، مطالبة في الوقت ذاته بفتح مجالات العمل أمام المرأة وعدم إعاقة التحاقها بسوق العمل من تحريم مزاولتها بعض الأعمال، وقالت: «إن الإسلام لم يمنع المرأة من مزاولة الأعمال كافة، لذا من حقها المساواة في الوظائف المطروحة في سوق العمل واستحداث وظائف جديدة ومجالات أخرى لتعمل بها».