قبل أن يحين أذان المغرب بأكثر من نصف ساعة يخرج الحاج عبدالله أحمد وبرفقته ابناه، يحمل أحدهما صحن التمر والآخر الماء واللبن، ليستطيعوا أن يجدوا لهم مكاناً مناسباً أمام باب المسجد، قبل أن يزدحم بالجيران الذين يتسابقون على تقديم التمر والماء واللبن والقهوة والعصير للمصلين، لينالوا بذلك أجر إفطار الصائم، وبالمرور أمام أحد المساجد ستنكشف أمام الزائر ظاهرة اجتماعية غريبة لا يمكن أن تحدث إلا في شهر رمضان. يقول الحاج عبدالله:"منذ أن كنا صغاراً وآباؤنا وأجدادنا يحثوننا على البذل والعطاء وحب العمل الإنساني والاجتماعي، وفي رمضان يشددون على أن إطعام صائم له أجر كبير عند الله، وأن أجر صيامه يلحقنا أيضاً فتجدنا نتلهف للوقوف على أبواب المساجد وفي الطرقات لنتشرف بتفطير صائم، ربما البعض يجد ذلك مبالغاً فيه لكنه في الحقيقة يربي الأجيال على الدين والتقوى والبذل والعطاء". ويقول:"لا يمكن أن يلهيك شيء على الإطلاق عن التمتع بمشهد ملاحقة الأطفال للمصلين قبل دخولهم المسجد، وهم يتوسلون إليهم أن يشرفوهم بأخذ شق تمرة، أو كوب ماء أو فنجان قهوة، مشهد لو رآه زائر لا يعرف تقاليد منطقتنا وخصوصية تعاملاتها سيحسبهم متسولين مزعجين، لكن أنا متأكد أنه حين يعرف حقيقة هذا الموضوع سيشعر بسعادة روحانية غريبة". ويشير إلى أن"الأمهات لهن دور كبير في استمرار هذه العادة الكريمة، فهن يجهزن موائد الإفطار السريع للمصلين، وأدخلن وجبات أخرى خفيفة غير التمر مثل قطع المعجنات الصغيرة، والحلويات الخفيفة، لكن يبقى التمر سيد تلك الوجبات، ويتعمدن تمييز وجباتهن وذلك بطرق تقديم جديدة ومميزة، مثل وضعها في أكياس وعلب جاذبة". وخصصت مساجد طاولات خاصة لوضع وجبات الإفطار مانعة بذلك ملاحقة الأطفال وحتى الكبار للمصلين، يقول الشيخ صالح الحسيني:"طبقنا هذه الطريقة العام الماضي ونجحت نجاحاً كبيراً، وأقنعنا مقدمي هذه الوجبات بأنهم يتحصلون على الأجر والثواب بمجرد وضعهم لهذه الأطباق على الطاولة لأن نية إفطار الصائم موجودة في الأصل، وليتمكن الأطفال من اللحاق بالصلاة ولا تفوتهم أي ركعة". وانتقد خالد الوهيب هذه الفكرة، معللاً سبب رفضه لها"بأنها ستحرم الأطفال من التواصل مع المجتمع في هذا العمل، من طريق الجرأة في تقديم الوجبات وتلقي كلمات الشكر والثناء والتشجيع، هذه الطاولة جيدة لو كانت لمن لا يرغب في تقديم الوجبات بنفسه من باب الخجل أو من باب التفرغ للعبادة وأداء الصلاة وقراءة القرآن، لكن من دون أن يلغى عمل الأطفال لأهميته في نفسيتهم". وشددت مساجد على منع دخول الأطعمة داخل المصلى، بحجة أنه"مكان للعبادة وليس لتناول الطعام"، وخصصت أماكن للأكل، بينما طالبت أخرى المصلين بتناول الطعام قبل الدخول للمسجد، يقول بلال علي"أكثر ما يشدني حين ألتقي هؤلاء الأطفال قبل الدخول للمسجد ثيابهم الجميلة وابتسامتهم الصادقة العريضة ولهفتهم لإطعام الصائمين، وعباراتهم التي تناقلوها من جيل لآخر ومنها"افطر يا صائم ووحد الدائم"، أو عبارة"ادع لنا"وعبارات أخرى، لكنه مشهد فريد جداً". ويقول:"هذه العادة تخلق ارتباطاً وثيقاً في نفس الطفل بين المسجد وهو المصدر الديني وبين شهر رمضان، وبين العمل الاجتماعي، وبين الاتصال والتواصل، كل هذه المنظومة تشكل لنا شخصية الفرد الاجتماعي المنتج في ما بعد، ولهذا تحرص أسر على استمرار هذه الفعاليات بصورة دائمة، ونحن نجدها مستمرة على مدى العام، ففي مساجد ومع كل جمعة يقف أطفال عند باب المسجد ليمسح عطراً على أيدي المصلين في مشهد جميل لا يتوقف".