يفصله عن الموت عام، إن لم يستطع تأمين 12 مليون ريال دية لابن عمه، الذي قتله دفاعاً عن النفس كما يدعي قبل ثلاثة أعوام، هي المدة التي قضاها في السجن ينتظر أن يأتي موعد المنية، في حال فشل الوساطات في التنازل عن القصاص. ثلاثة شروط اشترطها أبناء عمومته، أمكنه تحقيق اثنين منها، لكن الثالث قد يبدو أقرب إلى الاستحالة، إذ اشترط"أهل الدم"إبعاد القاتل حسن بن عامر عسيري وأفراد أسرته من المنطقة الجنوبية"نهائياً"، وعدم عرض أملاكه على ورثة القتيل ضمن شروط الصلح وتجريده من ممتلكاته. لكن الشرط الثالث هو الذي يحتاج معه حسن بن عامر إلى"معجزة"ليتحقق، وهو ديةٌ قدرها 12 مليون ريال. الأحد الماضي شهد إطلاق سراح حسن بن عامر من سجن أبها، حيث كانت"الحياة"موجودة تلك اللحظة، ورأت السجين المشهود له بالخير بين النزلاء والعاملين في السجن، حسرة مرتسمة على وجهه، وحزن يشع من مقلتيه يخالطه الندم، إذ لم يفرح حسن 65 عاماً بإطلاقه من السجن، لأنه يعلم أن الشرط الأخير لعتق رقبته يعد صعباً لدرجة أن الدموع التي بللت لحيته، عبرت عن اليأس الذي كان يعتريه في تلك اللحظة. "حسن"المتزوج وله ستة من البنين وثلاث من البنات يعلم أن أبناءه الذين لا يزالون صغاراً حكم عليه بالقصاص بعد قتله أحد أقاربه بعد مشادة كلامية، قابلته"الحياة"فور خروجه من السجن، فبدأ حديثه معها بالبكاء، ثم بدأ برواية القصة متنهداً بحسرة:"نحن أسرة واحدة وأقارب ولحم ودم... ليتني كنت القتيل بدلاً من القاتل"، مضيفاً:"تدخلت بين المرحوم وآخرين في قضية صلح، إلا ان المرحوم غضب مني وتوعدني بشر، ما نتج منه مشادة كلامية بيننا، وبعد فترة تقابلت معه مصادفة في أحد الأودية واستوقفني، ونزلت من السيارة لأحدثه، فكلمني بطريقة غير لائقة، وحمل فأساً يريد ضربي به، فما كان مني إلا إشهار مسدس كان بحوزتي في السيارة، وهددته في حال اقترب فإنني سأطلق النار عليه لكنه لم يخشاني، فأطلقت طلقة تحذيرية لأردعه، لكنه أصر على ضربي بالفأس، فقمت بإطلاق النار على أقدامه، لمنعه من الاقتراب دفاعاً عن نفسي، فوقع على الأرض وتركته، ثم اتجهت إلى مركز الشرطة، وسلمت نفسي واعترفت بما حدث. ويتابع:"لم أنوِ قتله، لكنه حاصرني، ولو علمت بأنه سيقابلني في ذلك الموقع لما مررت به، لكن القدر وقع"، نافياً أن يكون تربص به،"فالمسدس كان معي كنوع من الحيطة والحذر، بعد تزايد تهديداته لي، والشيطان كان يلهمني بحمل مسدسي، حتى فقدت أعصابي ولم أدر بما فعلت". ويستطرد:"أنا نادم أشد الندم على ما أقدمت عليه وحالي النفسية سيئة جداً، فلم أكن أتصور يوماً أن أزهق روحاً أو أتسبب في أذى إنسان ... ولكن هل ينفع الندم؟ كل ما أرجوه عفو الله ومغفرته، وعفو أهل القتيل وتنازلهم". ويصف ابن عامر الحادثة بأنها لحظة فاصلة بين الحياة والموت، بين الحرية وقضبان السجن،"إنني في ألم وحزن على الدوام، فلم أعلم أن ذلك اليوم سيكون مفتاح تعاستي وحزني، وأنه سيحول حياتي إلى جحيم، فأنا أفكر في كل لحظة بما جرى ذلك اليوم، وأجد تفاصيل الحادثة حاضرة أمامي". ويشير حسن المتوكئ على عصا خشبية إلى أن المرض استبد به في السجن،"أصابني مرض السكر وضعف بصري، والآن لا أستطيع المشي إلا بمساعدة العصا، وأعاني من الأمراض والهموم". ويوضح الشروط التي تم من خلالها الصلح والعفو عنه، إذ اشترط أهل الدم بعد تدخل أهل الخير والمشايخ في محافظة رجال ألمع للتنازل عن القصاص إبعاده وأفراد أسرته عن المنطقة الجنوبية نهائياً، وعدم عودتهم لا حاضراً ولا مستقبلاً وإصدار صكوك شرعية تضمن ذلك، إضافة إلى وقف تصرفه في أملاكه، ونقل التصرف بها إلى إخوتي، وعدم عرضها لورثة القتيل نهائياً أو ذكرها ضمن شروط الصلح، إلى جانب دية مسلمة لورثة القتيل قدرها 12 مليون ريال، ووافق الوكيل الشرعي عن ورثة القتيل مع وضع مهلة عاماً واحداً. وناشد حسن بن عامر أهل الخير مساعدته لفك رقبته من القصاص، مضيفاً:"الأمل في الله كبير". ثم وجّه رسالة لأهل القتيل قال فيها:"نحن أسرة واحدة، وهم كرام والمغفور له ابن عمي لحمي ودمي، ويا ليتني أنا القتيل بدلاً منه. أرجوكم سامحوني... أبنائي، أبناء عمومتي، ربعي، قومي، عشيرتي... أرجوكم سامحوني، أخطأت والشيطان أوقعني، فيكفيني سنوات السجن التي قضيتها، والعذاب الذي عشته، ولا أزال أعيشه حتى الآن، فقابيل قتل هابيل، وسيدنا موسى قتل نفساً فعفا الله عنه... أرجوكم أن ترحموني من هذا العذاب".