لم يكن باختياري، جئت إلى هذه الدنيا ووجدتكم قمرين تمسكان بكل سعادة بيدي، شمسان تضيئان نور عيني لأرى بهما الوجود، بينكم فقط أشعر بالأمن والرضا، أشاغبكما فتبتسمان وتحتضناني بكل مودة، ومن دون أن أعرف مدى تغلغل حبكما في قلبي. شاء قدري ان تفترقا ولم تخبراني، رأيتك فجأة تطرد أمي من المنزل، ترمي أشياءها على الأرض، تلقي عليها بورقة طويلة تفيد بأنها من تلك اللحظة صارت غريبة عنك، وعليها أن تختفي من حياتك إلى الأبد! أسرعت يا أبي لتقول لي بلهجة غاضبة، ومنفعلاً بشدة"هذه المرأة اللعينة لا تدخل هذا المنزل مجدداً، وغير مسموح لها الاتصال بك، وأنت ليس لك أم، فهذه المرأة قد ماتت والى الأبد"! احتواني الصمت والخوف يا أبي، وماتت الحروف على لساني، كنت تذهب لعملك وتتركني وحيدة معها"أعني مع صورتها في ذاكرتي وخيالي"، فهي تملأ كل مكان في المنزل، أسمع صدى صوتها وأراها هنا وهناك، أهرب منها فتلاحقني، إنها تجري في جوارحي مجرى الدم في جسدي، إنها تسكن قلبي، على رغم تهديداتك القاسية، وكثيراً ما حاولت أن أتحدث معك، حاولت أن أخبرك بأنها تسكن معي، وان صورتها التي أحرقتها مطبوعة في عيوني، فكلما اشتقت إليها فقط أغمضهما لأراها! كنت أريد ان أقول لك إن علاقتك الزوجية بها قد انتهت ربما طردتها من منزلك ومن حياتك ومن ذكرياتك... ولكنك لم تستطع أن تمحوها من خريطة الماضي، ولا من شهادة ميلادي، فهي أمي التي مكثت داخلها تسعة أشهر، افرح حين تفرح وأحزن حين تحزن واشبع حين تأكل، دماؤها غذتني ويسري في عروقي دم أحيا به، فإذا كنت قد أخرجتها أنت من حياتك، فكيف أخرجها أنا من دمي؟ قتلني شوقي إليها، كانت الفتيات مثلي مشغولات بمستقبلهن، بينما الحلم الأكبر في حياتي هو الارتماء على صدرها والاختباء منك. جاء عيد وخلفه عيد وأنا مشغولة بحلمي، وعام رحل كنت فيه أدعو الله أن ينتهي سريعاً لأخبرها بنجاحي، ولم أفلح أسرعت إلى الهاتف أريد أن اقتل الألم داخلي وأسكت الشوق الذي يزداد يوماً بعد يوم، فقط كنت أريد أن أسمع صوتها، كنت أريد أن اخبرها بأنها في القلب باقية ولم ترحل، وأن كلمة أمي لم أنطقها بعدك، ولن أنطق بها لغيرها مهما حاولت يا أبي. تملك أنت القوة والصلاحيات، وعلى رغم كل ما سبق لا تستطيع إجباري على نسيانها، بإمكانك استبدال زوجة مكان أخرى، ولكن لا تستطيع استبدال أمي لأنها هنا محفورة داخل قلبي. أنا الآن في ثلاجة الموتى يستعدون لدفني، وأنت في مركز الشرطة لا تملك إجابة عن سؤالهم: لماذا قتلتني ضرباً؟ أراك وأسمعك وابتسم ربما حرمت منها في الدنيا القاسية، ولكني سأجتمع بها في حياة أخرى، سأكون في أحلامها وسأحدثها وتحدثني وسأقول لها ما لم أقله لأحد من قبلها... كم أحبك يا أمي. [email protected]