انفردت قناة"الإخبارية"مساء الثلثاء الماضي بتسليط الضوء على قضية فصل"80 موظفاً وموظفة"من العاملين في الوساطة البنكية، واستضافت اثنين منهم، الأول يمثل فئة الذكور، والآخر يمثل فئة الإناث، وهنا تعددت الآلام والفصل واحد، 80 حلماً مستقبلياً، فتحت لهم أبواب الحياة عبر هذه الوظائف، ثم أغلقت لحظة سرحان إنساني، أو تفكير غريب، كلهم شرعوا في رسم أحلامهم، وبدأوا في التخطيط للمستقبل الذي لم يدركوا ذات يوم أنه سينتهي بمجرد"إيميل الكتروني"، حين يفصل موظف من مؤسسة ما، فنحن كمن يضع نقطة سوداء على ثوب ناصع البياض، إذن ما المشهد؟ ونحن نرسم 80 نقطة سوداء كل منها سيمتد بالكلية إلى أطراف هذا البياض ولو بشيء من اليأس والإحباط. يعتقد الكثيرون حين يصنعون القرار أنه يلقي بظلاله على أفراد فقط، وان المجال مفتوح منذ لحظة الفصل للحصول على وظيفة مباشرة، المؤلم تماماً أن من بين هؤلاء الموظفين من استقطبته مؤسسة العمل وقدمت له أحلى العروض، ووعدته بأجمل بيئات العمل ثم دفنت كل هذه الجهود بكبسة زر واحدة، وبتجاهل كبير أن وراء كل واحد من هؤلاء طموحات وآمالاً، وفوق كل هذا وهو المهم أسر منها من أمضى مسافة في مشوار الحياة، ومنها من خطا الخطوة الأولى فيها. إلى أين يذهب كل هؤلاء؟ وما الوضع النفسي الذي هم عليه الآن بعد هذا الفصل المفاجئ؟ وكيف يصمد الواحد منهم أمام أب، أو أم، أو زوج، أو زوجة وفوق كل هذا بكاء طفل أو طفلة؟ لماذا من الأساس نفتح بوابة التوظيف لهذا العدد ونربت على أكتافهم بإشارات اطمئنان وندخل بعضهم في حياة زوجية، وأقساط بنكية، والتزامات حياتية ونحن غير مؤهلين أن نضمن لهم لقمة العيش، تلك التي وزعت لهم بالجملة عند توقيع العقد وخصمت بالكلية في حال الإقالة"كخيار أول"أو فرزت بالقطارة في خيار الاستقالة الثاني عبر"رواتب ثلاثة أشهر". مأساة كبيرة لن يدركها إلا من ذاق حجم هذه المعاناة؟ أنا متأكد من أن الثمانين موظفاً من أبناء الوطن لن يجلسوا مكتوفي الأيدي، يتسولون الصدقة، أو يسرقوا بالخفية والاحتراف لكننا نقتل فيهم كل طموحاتهم المشروعة ونقاءهم الفطري، ولغة الانتماء لمؤسساتهم طالما انه بغمضة عين يقف هذا العدد على رصيف الفرجة بلا خطأ أو ارتكاب ذنب، فقط لرؤية إدارية إن كان فيها شيء من الصحة إلا انه يملؤها كثير من غياب الإنسانية، وهنا لا ننتظر من يأتي ليشرح أو يوضح قانونية الفصل، ما نريده بالضبط أن يُدْرَك حجم المعاناة التي رسمها قرار سريع كهذا وحجم أبعاده على الصعيد الأسري أولاً ومن ثم على الصعيد الإنساني، نستثمر في بناء مؤسساتنا مثل هذه الطاقات الشابة، وحين تبدأ في رسم إبداعاتها وتصنع ثقتها بنفسها نعيدها للوراء وكأنها في مباراة رياضية وعليها أن تتقبل ثقافة الفوز والهزيمة، وننسى أننا بهذه الطريقة نكسر الشوك في أيديهم، ونصنع بدواخلهم هزيمة باكرة، فضلاً عن أنها مسلوبة الثقة. ببريد الكتروني أحيلت طموحات وأفكار"ال80 موظفاً"من خطط مستقبلية، واستقرار أسرة، وكفاف عيش، إلى كيفية تأمين وجبة عشاء أو من أين يتم إحضار وجبة غداء، بعد كل هذا كيف نوجد مبررات لكل هؤلاء إن استسلموا أو دب اليأس في دواخلهم. أعود من جديد لأقول إن ال80 موظفاً بين الرجال والنساء وخلفهم مثلهم ينتظرون موقفاً إنسانياً لا تبريراً نظامياً عن سر الفصل. [email protected]