تمثل الإجازة الصيفية"كابوساً"على الكثير من الأسر، خصوصاً وأن الأبناء والبنات يتمتعون بطاقة وحيوية تحتاج إلى قنوات لتصريفها، لتعاني هذه الأسر في كيفية ملء هذا الفراغ لدى أبنائها، والذي يمتد لنحو الأشهر. ويشكو الأهالي من حجم هذا الفراغ الكبير لدى الأبناء، وخصوصاً من الطلاب والطالبات، إذ من الممكن أن يكون فرصة للترويح والاستفادة، وقد يكون عكس ذلك، فعدد قليل جداً منهم من ينجح في ترتيب برنامج مفيد لقضاء العطلة، ونسبة كبيرة، وخصوصاً الشباب الذين يشكلون السواد الأعظم في المجتمع، يسقطون في فخ الفراغ، بانتهاجهم لأساليب وطرق وسلوكيات خاطئة للقضاء عليه. ويشيرون إلى أنه ينتج في العادة من هذه الأساليب والطرق مشكلات أخرى أكبر من مشكلة الفراغ ذاته، فالبعض يقضي هذا الوقت ممدداً أمام التلفاز، يتنقل بين القنوات الفضائية وبرامج الإثارة السطحية، وآخر يقضي وقت الفراغ في الشارع، يسير من دون هدف، وبعضهم يلجأ إلى تعلم تدخين"الشيشة"و"المعسل"في المقاهي والاستراحات، أو السفر للخارج، وعدم قضاء الوقت بطريقة مفيدة. ويتسمر آخرون معظم أوقاتهم أمام أجهزة الحاسب الآلي، لدخول مواقع قد تضر أكثر مما تنفع، وغيرها من الأساليب الخاطئة التي قد تؤدي إلى أمور ومشكلات أكبر، وقد تتسبب في الانحراف في سلوك الشباب، والوقوع في قضايا ومخدرات وأمور محرمة. وتقول الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة الهام حكيم ل"الحياة":"إن المتأمل لحال الشباب، وتعاملهم مع الإجازات، يجد أن القليل منهم من يستثمر أوقات الفراغ في ما يعود عليه وعلى أسرته وعلى المجتمع بالفائدة، أما الغالبية العظمى منهم فهم بين فئة لم تستفد من أوقات الفراغ ولم يزدها نمواً أو تطوراً، وبين فئة أخرى لم يزدها الفراغ إلا تدميراً للنفس والأخلاق وللأسرة والمجتمع". وتضيف حكيم:"يحدث هذا في مجتمعنا، في الوقت الذي نجد فيه مجتمعات أخرى تولي أهمية كبيرة للوقت وشغل فراغ الشباب، وتحاول استثماره، والتخطيط لكيفية تحقيق هذه الغاية، لذا يجب علينا أن نقضي على الفراغ لدينا وقتله، بل تقطيعه". وتشير إلى أن الوقت بات في مجتمعنا عبئاً يجب التخلص منه بأي طريقة، حتى ولو كان تدميراً للذات، أما مصطلح استثمار الوقت فهو مفهوم لا يفكر فيه إلا القلة. وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية أنه"في الوقت الذي نجد فيه البعض يخططون لشغل وقت الفراغ، واستثماره في ممارسة هواية محببة وبريئة تعود عليه بالنفع، ينمي من خلالها شخصيته، كالرياضة، أو الكتابة، أو القراءة، وغيرها من الهوايات، يقضي آخرون هذا الوقت في ممارسات أقل ما يقال عنها أنها خارجة عن الذوق العام، خلافاً لتصرفات أخرى تصدر عن بعض الشباب تصل إلى حد مخالفة الشرع أو الأنظمة على مرأى ومسمع من الناس". وتقول حكيم:"إن وضع الشباب في الصيف خصوصاً إذا لم يتم تداركه، ولم توضع له الدراسات والحلول، فإن مستقبلنا لا يبشر بخير، ذلك أن الشباب هم ثروة المجتمع، خصوصاً وأنهم يمثلون الفئة الأكبر من هذا المجتمع"، وتضيف:"أي شاب يقضي أوقات فراغه في ممارسات وسلوكيات مخالفة وغير سوية لا يجب أن ننتظر منه الكثير". وتؤكد الاختصاصية أن المسؤولية في ما يحدث لا تقع على الشباب وحدهم، بل تلقيها على عاتق الأسرة، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام، والمجتمع بمؤسساته المختلفة"ووزارات التربية والتعليم، والعمل، والشؤون الاجتماعية، والثقافة والإعلام، إضافة إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، والجمعيات الخيرية في المقام الأول". وتشير إلى أن تلك الجهات مجتمعة هي المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية، مؤكدة أن معتقدات الشباب وسلوكياتهم وتصرفاتهم ما هي إلا نتيجة لتفاعل تلك الجهات، ويتطلب علاج الوضع تكاتف جميع تلك الجهات من خلال درس المشكلة ووضع الحلول العملية لها وتفعيلها. وتطالب حكيم الجهات المختصة كافة بوضع حل عاجل، والتصرف بحزم مع جميع من يسيئون إلى الذوق العام، ويقضون أوقات فراغهم في تخريب الممتلكات، وإيذاء الآخرين بالقول أو الفعل. من جانبها، تلفت المشرفة التربوية غادة محروس، إلى أضرار الفراغ على النشء والمجتمع، مشيرة إلى أن ما قد يسببه هذا الفراغ من جنوح وانحراف الشباب واضح وجلي، وتقول:"إن الفراغ ينعكس على صورة الفرد عن ذاته، ما يدفعه إلى البحث عن الهرب من واقعه والميل إلى الحيل النفسية، بعيداً من المواجهة وتحمل المسؤولية، فنجده يلجأ أحياناً إلى ارتكاب ممارسات خاطئة، نتيجة لضعف التوجيه، أو عدم قدرة الموجه على إيصال الرسالة بطريقة حكيمة وجذابة إلى الشاب". وتطالب محروس بإيجاد دراسات وأبحاث للتعرف على حجم مشكلة الفراغ بين الشبان والفتيات وأسبابها، والتعرف على الأماكن التي يفضلون التردد عليها لشغل وقت فراغهم، والتعرف على نوعية الأنشطة التي يفضل الشبان والفتيات ممارستها لشغل وقت الفراغ، واستطلاع مدى استفادتهم من المؤسسات الشبابية القائمة لقضاء أوقات فراغهم. كما تناشد الآباء والأمهات بالالتفاف حول أبنائهم ومعرفة حاجاتهم، ومحاولة شغل وقت فراغهم بما ينفعهم، ويسهم في تطوير قدراتهم والترويح عنهم بطرق مشروعة.