يُعرِّف علماء الاجتماع وقت الفراغ بأنه ظاهرة اجتماعية تتميز بثلاث صفات أساسية، هي التحرر من العمل بحيث لا يقصد من أشغاله التكسب، وانعدام الأغراض التجارية أو النفعية، وقدرته وقت الفراغ على إشباع حاجات الفرد التي لا يحققها العمل عادة. كما عرف العلماء وقت الفراغ كذلك بأنه"الوقت الفائض بعد حسم الوقت المخصص للعمل والنوم والضرورات الأخرى من الأربع والعشرين ساعة". ولا يعتبر مفهوم وقت الفراغ حديثاً، إذ تشير نصوص تاريخية قديمة كثيرة، الى أن اكثر الأعمال التي وصلتنا هي نتاجات فنية، تؤكد أن أصحابها كان لديهم الكثير من الوقت الفائض ليتمكنوا من الإسهاب في التفاصيل الدقيقة. وعمل الإسلام على تحقيق التوازن في علاقة الإنسان مع وقت الفراغ، إذ أعطى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مقاييس عامة لكيفية التصرف بالوقت، ويقول القرآن الكريم في هذا الصدد: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال. والواقع ان ليس هناك دراسات علمية عربية للفراغ، بل يمكن القول انه ما زال حقلاً مهملاً في الدول العربية عموماً، على رغم أن علماء الاجتماع الغربيين قطعوا أشواطاً طويلة في هذا المجال، خصوصاً خلال السنوات الخمسين الأخيرة، لذلك استطاعت بعض هذه الدول ان تلغي الجزء الأكبر من هذا الوقت الحر وحولته الى ميدان آخر من ميادين إرضاء الرغبات الشخصية، واستغلته في العمل والبناء، ومنها اليابان مثلاً. ويعتمد تعامل المجتمع عموماً، والشباب خصوصاً، مع وقت الفراغ على مدى تقدم هذا المجتمع تكنولوجياً وصناعياً. كما تؤثر ثقافة المجتمع ايضاً على طريقة استغلال وقت الفراغ. ففي المجتمع الأميركي مثلاً، لم تستطع النشاطات التي يقضي بها المجتمع وقت فراغه ان تعمل على تطويره ثقافياً أو سياسياً. وعلى عكس ذلك، قفز المجتمع الياباني، خطوات كبيرة في تطوير أساليب العمل، بإدخال بعض الوسائل التي تجهلها معظم المجتمعات، كالفترات الرياضية ضمن ساعات العمل، والتي تمكن العامل من متابعة عمله من دون جهد أو تعب. يذكر ان هناك منظمات متخصصة بالفراغ، منها المنظمة العالمية للفراغ والترويح التي أصدرت ما سمي ميثاق الفراغ Charter for leisure. لكن يعتبر الفراغ أحياناً مشكلة قائمة بذاتها، فقد يؤدي عدم الاستغلال الصحيح لوقت الفراغ الى الانحراف، أو اتباع سلوكيات سلبية. ولأن الوقت شيء ثمين، فلا بد من استغلاله على أحسن وجه، من خلال العمل على توفير برامج ثقافية وعروض متنوعة مثل المسارح والمتاحف والنشاطات التطوعية المختلفة. ويقع هذا الأمر على عاتق وزارة الثقافة والشباب، وغيرها من المرافق الحكومية المحلية، إضافة الى مؤسسات المجتمع المدني، ويمكن للصحف المحلية ان تقوم بدور كبير في وضع قوائم بالنشاطات التي يمكن القيام بها لتمضية وقت الفراغ في أمور ممتعة ومفيدة في الوقت ذاته، إضافة الى نشر ثقافة القراءة بين الشباب والأطفال. في النهاية، لا أرى كلمة اختم بها أفضل مما قاله لقمان الحكيم يوصي ولده: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، ومالك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك". نسرين البرغوثي - بريد الكتروني