تستضيف المملكة العربية السعودية غداً الاجتماع الوزاري للدول المنتجة والمستهلكة للبترول لمناقشة استقرار السوق البترولية حرصاً منها على التعاون البناء بين المنتجين والمستهلكين بما يحفظ مصالح الطرفين وتأكيداً لدورها الإيجابي في هذا الجانب، إذ دعت القيادة السعودية إلى هذا الاجتماع بشكل طارئ ينم عن بُعد النظر السعودية في مجال الطاقة والبترول، والتزاماً منها كرئيس قمة أوبك الثالثة التي عقدت في الرياض العام الماضي لحماية مصالح الأطراف جميعها وإبعاد سلعة البترول عن المضاربات والاستغلال السياسي، مما يتسبب في الارتفاع العالي في الأسعار، بحسب رأي خبراء البترول والاقتصاد. يعلم الجميع أن المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة منتجة ومصدرة للبترول وعضو فعال في منظمة أوبك منذ تأسيسها، كما يشهد تاريخها أنها كانت دائماً عامل استقرار في أسعار البترول سواء صعوداً أو هبوطاً، إذ كانت رؤيتها دائماً أن البترول سلعة استراتيجية للاقتصاد العالمي، لذا يجب المحافظة على الانتاج والأسعار بشكل متوازن، وألا يسيس بشكل سلبي، وتحمل منظمة أوبك دائماً المسؤولية عن ارتفاع الأسعار. إن استعراض مواقف المملكة تجاه المستهلكين للبترول كانت ايجابية بشكل دائم، وذلك من خلال المعطيات الآتية: أولاً: تعتبر المملكة عضواً فعالاً في منتدى الطاقة الدولي الذي أنشئ عام 1991 من أجل بناء جسور من الحوار المتبادل بين المستهلكين والمنتجين ضمن المصالح المشتركة وحفاظاً على نمو الاقتصاد العالمي بشكل متوازن. ثانياً: استضافت المملكة منتدى الطاقة الدولي السابع في الرياض عام 2000، إذ شارك في ذلك المنتدى أكثر من 50 دولة ما بين منتجة ومستهلكة، إضافة الى المنظمات الدولية التي لها علاقة بالبترول والطاقة والاقتصاد وشركات البترول الكبيرة والتي زاد عددها على عشرين منظمة. ثالثاً: بادر خادم الحرمين الشريفين، عندما كان ولياً للعهد ومن خلال رعايته وافتتاحه لمنتدى الطاقة الدولي السابع، الى انشاء أمانة لمنتدى الطاقة يكون مقرها الرياض، وذلك لإيجاد قاعدة شاملة ودقيقة للمعلومات والدراسات والأبحاث لصناعة الطاقة سواء كانت بترولاً أو غازاً. رابعاً: قامت المملكة العربية السعودية بمنح منتدى الطاقة الدولي أرضاً لإقامة مقر له في الحي الديبلوسي في الرياض، إذ تم تدشين مقره وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين عام 2005، وذلك حرصاً من المملكة على إعطاء المنتدى أهمية كبيرة وتقديراً للدور الذي سيقوم به. خامساً: استضافة المملكة العربية السعودية قمة أوبك الثالثة العام الماضي، إذ شهدت القمة موقفاً حازماً من المملكة العربية السعودية بالدعوة الى استقرار اسعار البترول والمحافظة على مصالح الجميع، سواء منتجين أو مستهلكين من خلال البيان الختامي للقمة. سادساً: قامت المملكة بزيادة انتاجها من البترول في خطوة كانت محل تقدير الجميع ومحاولة منها لضبط الاندفاع القوي وغير المبرر للأسعار الذي سببته المضاربات، وليس نقص العرض في السوق، وهو ما أكده معظم الخبراء والمهتمين بسوق البترول والعوامل المؤثرة فيه. إن من ينظر الى أوضاع السوق البترولية في العالم، ويتابع وسائل الإعلام الغربية يعتقد أن منظمة أوبك هي الجهة الوحيدة التي تنتج البترول في العالم، علماً بأنها لا تنتج أكثر من 40 في المئة من الإنتاج العالمي، والباقي ينتج من دول خارج منظمة أوبك ولايقل عن 60 في المئة، ومنها روسيا وبريطانيا والنرويج وغيرها من الدول الأخرى، إذ تظهر وسائل الإعلام الغربية دائماً أن المستهلك الغربي للبترول هو ضحية لسياسات دول منظمة أوبك، وذلك لتحكمها بكمية إنتاج وتصدير وأسعار البترول، وهو كلام غير صحيح، إذ إن المنظمة ومن خلال التنسيق بين أعضائها تعمل على نظام حصص انتاج محدد يساعد على استقرار السوق البترولية، بينما الدول الأخرى التي خارج أوبك لا تتقيد بحصص معينة ولا بكميات محددة. إن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوزراء البترول والطاقة للدول المنتجة والمستهلكة، تأتي تأكيداً آخر على حرص المملكة العربية السعودية على مصالح الأطراف كافة سواء المنتجة أو المستهلكة في وقت لم تقم الدول المسيطرة على أسواق المال بمنع المضاربات الحاصلة في أسعار البترول، بل لا تزال تلوم الدول المصدرة من دول أوبك على ارتفاع أسعار البترول في محاولة لإبعاد اللوم عنها من مواطنيها. إن اجتماع جدة للطاقة، وعلى رغم ضيق الوقت، سيساعد جميع الأطراف على مناقشة عوامل استقرار السوق البترولية في وقت يحذر الاقتصاديون من ركود في الاقتصاد العالمي نتيجة لتباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي، بل يخشون من دخوله مرحلة التراجع، وبسبب عوامل سياسية واقتصادية تطرق لها كثير من المحللين الاقتصاديين والمراقبين في كثير من المقالات والتحليلات. إن دعوة المملكة لهذا الاجتماع ستضع الجميع أمام مسؤولياتهم لمناقشة سبل الوصول الى حلول لاستقرار السوق البترولية والتي تمثل دول أوبك جزءاً منها وليست كل شيء، إذ إن هناك مسؤولية كبيرة على الدول المنتجة من خارج أوبك وعلى المستهلكة وكذلك المنظمات الدولية التي لها علاقة بالطاقة والاقتصاد، والمطالبة بالقيام بدور بناء من خلال شرح الحقيقة للمستهلكين بأن ارتفاع اسعار البترول ليس بسبب قلة المعروض، بل هناك أسباب أخرى تتحمل الدول المستهلكة مسؤوليتها كالمضاربة وغيرها. إن حجم المشاركة في دعوة خادم الحرمين الشريفين من الدول الأخرى تعكس أيضاً مدى أهمية الحدث والمكان والداعي، فالداعي هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الشخصية المحبوبة والمحترمة من جميع قادة الدول، سواء المنتجة أو المستهلكة، وهو ما جعل هذه الدول تشارك وبفاعلية وعلى مستوى وزاري أو رؤساء وزراء كبريطانيا، في هذا الاجتماع تلبية لدعوته العاجلة والمهمة والمقدرة. أما بالنسبة للمكان فهو المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر إنتاجاً وتصديراً للبترول في العالم، والمتوازنة في مواقفها السياسية التي دائماً تتسم بالتعقل والاهتمام بمصالح الجميع والبعد عن الاستفزاز والانتهاز، وهو ما أثبتته مواقفها منذ بروزها كدولة منتجة لهذه السلعة الإستراتيجية والحيوية... أما بالنسبة للحدث، فهو مناقشة أمور البترول التي تهم العالم بأكمله، وهو ما نلمسه من خلال تغطية وسائل الإعلام لجميع مؤتمرات البترول والطاقة. * عضو مجلس الشورى.