استضافت المملكة قبل أسبوعين، وتحديداً في 22 شباط (فبراير) الماضي، الاجتماع الوزاري الاستثنائي لتوقيع ميثاق منتدى الطاقة الدولي، بمشاركة 108 وفود، منها 78 برئاسة وزير، إذ كان لهذا الحدث الكبير الأثر الإيجابي على المستوى العالمي، وإبراز دور المملكة المتوازن في المحافظة على الحوار بين المستهلكين والمنتجين للوصول إلى هدف مشترك يخدم مصلحة كل منهما. لقد تطورت الصناعة النفطية، ومنذ اكتشاف هذا المصدر عام 1859 في بلده تيتوزفيل (بنسلفانيا) بالولاياتالمتحدة الأميركية، على يد الكولونيل «ديريك»، إذ بدأت هذه الصناعة بالاحتكار من الشركات المستثمرة التي كانت في ذلك الوقت جميعها من الدول الغربية - أميركا وبريطانيا وغيرهما من الدول - سواء في الاستخراج والتصدير والتكرير، وحتى البيع، ما جعل هذه الشركات تتحول إلى إمبراطوريات اقتصادية تؤثر على أوضاع الدول التي تستخرج منها البترول، وتؤثر حتى على قراراتها السياسية. وفي عام 1960 قامت عدد من الدول المنتجة للبترول بإنشاء كارتيل أطلق اسم «منظمة أوبك للدول المصدرة للبترول» في بغداد، في محاولة من هذه الدول للسيطرة على القرار البترولي، سواء في الإنتاج أو السعر، وليدخل البترول في مرحلة جديدة من مراحل تطور صناعته، أعقبتها قيام الكثير من الدول المصدرة بتأميم الشركات البترولية في بلدانها، ما جعل صناعة البترول تنتقل بشكل جزئي من يد الشركات الأجنبية الكبرى إلى الشركات الوطنية، وترتفع دخول هذه الدول، ما ساعد هذه الدول في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لكن الحدث المهم في الصناعة النفطية هو استخدام البترول كسلاح سياسي، وهو ما حدث عام 1973، عندما قطع العرب البترول عن بعض الدول التي تدعم إسرائيل، وهو ما رفع أسعار البترول بشكل كبير، وأرسل رسالة قوية للدول المستهلكة للبحث عن بدائل أخرى للطاقة، ومع ذلك تزايد الاستهلاك بشكل كبير، خصوصاً مع ظهور الكثير من الاقتصاديات القوية والناشئة كالصين وكوريا الجنوبية والهند والبرازيل وتركيا، ما زاد الضغوط على الدول المنتجة من ناحية الإنتاج وقدرتها على الإيفاء بمقدار الاستهلاك العالمي وديمومته، مع المحافظة على الأسعار المتوازنة. لقد نشأت فكرة منتدى الطاقة الدولي للحوار بين المستهلكين والمنتجين بداية في لقاء باريس عام 1991، للحد والسيطرة على التقلبات في السوق البترولية، ولتقريب وجهات النظر بين المنتجين الذين تمثلهم «أوبك»، والمستهلكين الذين تمثلهم وكالة الطاقة الدولية، التي أنشأت عام 1974. هذه التقلبات البترولية التي تنشأ وتتأثر بالأحداث السياسية الدولية، خصوصاً في الدول المنتجة للبترول. وقد توالت الاجتماعات بين الدول المستهلكة والمنتجة، حتى عام 2000، لتستضيف المملكة العربية السعودية المنتدى وبرعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان ولياً للعهد في ذلك العام، وليكون ذلك المنتدى نقطة تحول رئيسة في الحوار بين المنتجين والمستهلكين، إذ صدر في ذلك المنتدى اقتراح خادم الحرمين الشريفين، بإقامة أمانة عامة للمنتدى، تكون الرياض مقراً لها، ويعين الأمين العام من الدول الأعضاء بشكل دوري. وقد قامت المملكة العربية السعودية بتقديم الأرض لمقر الأمانة العامة للمنتدى في الحي الديبلوماسي في الرياض، وافتتح خادم الحرمين الشريفين مقر المنتدى عام 2005، لتصبح الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي هي المحرك الرسمي للحوار بين المستهلكين والمنتجين. وفي مؤتمر كانكون في المكسيك (29 آذار/ مارس 2010)، صدر عن المؤتمر بيان شارك في إعداده كل من المملكة العربية السعودية والأمانات العامة لكل من منتدى الطاقة الدولي ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك حول التعاون المشترك لاستقرار السوق والحد من أسباب تقلبات الأسعار في أسواق الطاقة العالمية؛ إذ تم تشكيل لجنة إشرافية عليا برئاسة ممثل المملكة العربية السعودية مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، ووافقت على المشاركة في تلك اللجنة كل من الولاياتالمتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والنرويج، واليابان، والمكسيك، والجزائر، والكويت، وقطر، وعقدت أول اجتماعاتها بمقر الأمانة العامة للمنتدى في الرياض في 19 نيسان (أبريل) من العام الماضي. وتوصلت اللجنة الإشرافية العليا إلى اتفاق بشأن توصياتها النهائية المتعلقة بموضوعي الدراسة؛ ففي ما يتعلق بموضوع تطوير وتعزيز منتدى الطاقة الدولي دعت التوصيات إلى أهمية الحاجة لتطوير المنتدى وأمانته العامة وإعطائهما دوراً أكبر للقيام بالمهام الموكلة إليهما لتعزيز الحوار بين المنتجين والمستهلكين للطاقة، مع إبقاء صفة الحوار في المنتدى على وضعها الحالي غير الإلزامي. لذلك يأتي هذا الاجتماع الاستثنائي لتوقيع الميثاق كحدث مهم بالنسبة للمنتجين والمستهلكين، على حد سواء، وفرصة لتعزيز التفاهم والتواصل ضمن آليات يحددها المنتدى وبما يحفظ حقوق الطرفين، ويساعد الاقتصاد العالمي في النمو، وإبعاد شبح المضاربين بأسعار البترول في الأسواق العالمية. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن أهمية الحدث لا يختلف عليها اثنان، إذ يعتقد الكثير من المحللين والمراقبين، أن المملكة عززت صورتها الإيجابية كمنتج موثوق ومحافظ على مصالح الجميع، سواء المنتجين أو المستهلكين، وهو ما أظهرته المملكة باحتضانها الكثير من اللقاءات المهمة في مجال الطاقة، ابتداءً من منتدى الطاقة الدولي السابع عام 2000، ومروراً بقمة أوبك عام 2007 التي عقدت في الرياض، وبعدها بعام اجتماع جدة للطاقة، إذ دعت المملكة لذلك الاجتماع لكبح جماح المضاربين في التلاعب بأسعار البترول، وإظهار أن الدول المنتجة حريصة كل الحرص على نمو الاقتصاد العالمي وحريصة على المستهلكين. لقد تجلى حرص المملكة العربية السعودية في الحفاظ على الحوار بين المستهلكين والمنتجين وكذلك في دعم الاستقرار لأسعار البترول، من خلال دعمها لمنتدى الطاقة الدولي منذ تأسيسه، من خلال استضافتها للكثير من اللقاءات واحتضانها لهذا المنتدى مقراً وفكراً، وذلك إنطلاقاً من رؤيتها الصائبة في مستقبل البترول كسلعة إستراتيجية. * أكاديمي سعودي.