تفاوتت آراء عدد من المثقفين السعوديين حول ملتقى المثقفين الذي ستنطلق فعالياته قريباً، برعاية خادم الحرمين الشريفين وبمشاركة واسعة من الوجوه الثقافية السعودية وخبراء التنمية الثقافية العرب. «الحياة» توجهت بأسئلة إلى عدد من الكتاب والمبدعين، لتلمُّس وجهات نظرهم في ما يخص الملتقى وقضايا الثقافة الملحة، فجاءت الآراء تغلب عليها حال من التشاؤم، كون توصيات الملتقيات السابقة ما زالت حبيسة الأوراق والأدراج، إذ لم يتم تفعيل أهم ما جاء فيها مثل إنشاء رابطة للأدباء، وصندوق المثقفين وجوائز الدولة التقديرية، فضلاً عن توجُّه الملتقى إلى صياغة رؤية ثقافية أو استراتيجية ثقافية، في حين أن استراتيجية التنمية الثقافية صدرت عن وزارة الثقافة والإعلام العام الماضي، وهي عبارة عن خلاصة ما طرح في الملتقى الأول، إضافة إلى بعض ما أدلى به عدد من المثقفين لاحقاً. ويرى آخرون أنه لا بد من حالة سعي دؤوب ومتواصل لتحقيق هذه التوصيات، وتوصيات جديدة تواكب المرحلة التي نعيشها حالياً التي صاحبت عدداً من المتغيرات في الساحة السياسية العربية أو المتغيرات المحلية، خصوصاً في ما يتعلق بمشاركة المرأة في الشأن العام التي أعلنها قائد البلاد أخيراً. وما بين التشاؤم والتفاؤل، تبدو هناك منطقة وسطى محايدة (تشاؤلية) يكاد يتفق عليها الكثيرون، بل ويعلقون عليها آمالاً جديدة. وقال شتيوي الغيثي إنه مع انعقاد الملتقيين السابقين وبحسب المخرجات التي ظهرت منه والتوصيات التي لم يعمل بأكثرها «فإن التفاؤل يصبح ضعيفاً جداً لأن المطالبات كانت أكثر بكثير من قدرة الوزارة على فعله. كل المطالب أكثرها تعطي مساحة واسعة من حرية التحرك للمثقف وتمنحه الاستقلالية في التفكير. هي أشبه بمؤسسات المجتمع المدني التي لم يعمل بها والتي عادت أدراجها للدرس كحال أكثر القرارات، وهذا ليس بقدرة الوزارة ذاتها»، مؤكداً أن «انعقاد المؤتمر في أجواء التغيير هي حالة «محفزة» ومساحة الحرية في فضاء الإنترنت تشي بذلك. لكن السؤال عن قدرة المؤسسات الحكومية على التجاوب وعلى تغيير رؤيتها التقليدية والتي لا بد أن تتجاوب مع الحراك الجديد. في رأيي أنها عاجزة تماماً في الفترة الحالية عن صناعة أي تغيير في داخلها فضلاً عن إدارة دفة التغيير في المجتمع». وأشار الغيثي إلى أن وزارة الثقافة «تحتاج إلى نوع من الرؤية الاستشرافية، والمخرجات التي صنعتها في الأندية الأدبية مثلاً توحي بأن الوزارة لا تستطيع الخروج من أزمتها، فهي تمارس نوعاً من الشكلية الثقافية التي هي أقل بكثير عن مطالب التغيير في الملتقيين السابقين، فضلاً عن ملتقى ثالث في أجواء تتسم بروح التغيير». ويرى أن المشرفين على الملتقى سيتفهمون حاجات المثقفين: «حينما تكون هناك مؤسسات ثقافية مستقلة في صياغة قراراتها وما على الوزارة سوى الإشراف، وحينما ينظر إلى المثقف على أنه شخصية مستقلة وليست تابعة، وحينما يتم انتخاب المشرفين على هذه الملتقيات ذاتها، بحيث تتم مساءلتهم عن أوراق العمل السابقة التي لم تفعل. حينها في رأيي يمكن فعل شيء مع مرور الوقت». المثقف واجهة صورية وأكد الشاعر زكي الصدير عدم تفاؤله «فالأمر لا يعدو عندي كونه بروباغاندا نضعها في واجهات الصحف كواجهات نضحك بها على أنفسنا وعلى العالم. فهذا الملتقى لا يضيف ولن يضيف شيئاً يذكر لا للمثقفين ولا للثقافة بمعناها العميق، وستتحول صالوناته وملتقياته لثرثرات واستعراض عضلات، يزايد أبطاله على بعضهم بعضاً! كل ما أتمناه وآمله ألا تذرو هذا الملتقى الرياح كما أخذت غيره من المؤتمرات التي تحوّلت لأرقام ضخمة في الموازنة العامة، ولذكرى في سجلاتنا الوطنية، ولمحطات خطابية وإعلامية بأبواق تتفنن بين الترسل والسجع وبين باقل وسحبان بن وائل». وعن انعقاد المؤتمر في أجواء تطالب بالتغيير وتحفز لمطالب مختلفة، قال: «عن أي تغيير تتكلمين بالتحديد؟! دليني عليه لأراه، أنا وأنتِ نعلم جيداً أن كل هذه التغييرات شكلية، وأن المثقف السعودي لا حول له ولا قوة، وأن وجوده مجرد واجهة صورية للتطبيل ولتمرير القرارات الأكبر منه ومن ثوبه بمراحل كبيرة جداً! وأخشى ما أخشاه أن الثقافة تحوّلت لبرستيج كما يقول أدونيس». وحول دور مشرفي الملتقى يؤكد أنهم «يجب أن يفهموا جيداً طبيعة المعادلة، ويدركوا تماماً استحقاقات المرحلة، لكنهم مكبّلون بسقوف ضيقة وبحرية مفقودة مقيّدة بأطر منتهية الصلاحية. ولكي لا نلقي بلومنا كله على المشرفين فقط، علينا أن نتنبه إلى أن الإشكالية أعمق من ذلك بكثير. لعلنا جميعاً نذكر حماسة المثقفين السعوديين في المؤتمرات السابقة حول ضرورة استحداث نقابة مستقلة للكتاب والأدباء تجمعهم تحت مظلة واحدة، تحميهم وتحصنهم، وتضع أسس أعمالهم واستراتيجية مشاريعهم بمعزل عن أي سلطة وزارية قد تحجم من حريتهم التي تفرضها عليهم طبيعة الكلمة، بما تملك من حرية وأفق ربما لا تتماهى مع السلطة أو الوزارة». طريقة الطرح وتحديد القضايا رئيس نادي القصيم الأدبي الدكتور أحمد الطامي، بدوره متفائل، «بكل حراك ثقافي يهدف لخدمة الثقافة وتفعيلها في فلك أنشطة الوطن المختلفة. هذا الملتقى له أهدافه وطموحاته، وآمل أن يتمكن من تحقيق ولو جزء من أهدافه. أما ما سيطرحه من قضايا فبحسب ما ورد في الأخبار فهو يناقش قضايا جوهرية واستراتيجية في الحياة الثقافية، ولكن الأهم هو في طريقة الطرح وتحديد القضايا واقتراح الحلول وتشخيص المشكلات، والأكثر أهمية من كل ذلك هو تنفيذ التوصيات التي يتوافق عليها المشاركون». ويؤكد الطامي أن طموحات المثقفين كثيرة، «والتغيير والتطور سنة الحياة، ونحن نعيش في عالم متغير ويشهد تحولات كثيرة وتحديات جديدة ورؤى متجددة. والمجتمع السعودي يشهد متغيرات كثيرة، والمرأة السعودية تحديداً حصلت على الكثير من استحقاقاتها، وآخرها ما أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين من مشاركة المرأة بمجلس الشورى والمجالس البلدية مشاركة كاملة. ولا ننسى انعكاسات الربيع العربي على الحياة الثقافية العربية التي نحن جزء منها. وبالتالي فإن هذا الملتقى ينعقد في ظل هذه التطورات والمتغيرات، ولا بد أن تنبثق مطالب وطموحات ورؤى جديدة سيتناولها المؤتمرون»، مشيراً إلى أن «التواصل المستمر مع المثقفين والاطلاع على كتاباتهم وتوزيع الاستبانات العلمية التي تستطلع وتستكشف حاجاتهم ورؤاهم واقتراحاتهم، ودعم الأندية الأدبية وجعلها بمثابة بيوت للأدباء ومراكز ثقافية تعبر عن وجدان الأدباء والمثقفين». أما الروائي والكاتب أحمد الواصل فيفترض جدلاً أنه لا بد أن يكون متفائلاً «بما سينجز لا ما سيطرح»، مشيراً إلى أنه سيشارك «بمقترح في ورقته لمحاولة تأسيس ذاكرة ثقافية مستمرة تواكب العالم التقني ووسائله بقدر ما تعزز بناء الهوية والعلاقة مع التاريخ الواعية ومع التراث الناقدة». وقال إنه «يتوجب إنشاء مشاريع عملية. مثل: قطاع نشر مستقل عن وزارة الإعلام والثقافة، يتبنى نشر الإنتاج الثقافي المحلي بمختلف نتاجاته وتتوافر بأسعار جيدة، كما أنها توزع في كل أنحاء المملكة. وإنشاء مؤسسة تعنى بتمويل أو دعم الإنتاج الفني (سينما وما في حكمها)، وتوفير صالات عرض لهذه الأعمال الفنية المختلفة. وتأسيس مسارح وإنشاء أو دعم فرق مسرحية». وفي السياق نفسه أشارت الشاعرة والصحافية هدى الدغفق إلى أنها ستدعي التفاؤل بالملتقى المقبل، «لأسباب عدة، منها أن الظروف التي طرح فيها ظروف ديناميكية من شتى النواحي، إذ تتنوع مناخات الانتخاب في المملكة من مجلس بلدي إلى شورى نسائية، وقبل هذا وذاك انتخابات أنديتنا الأدبية على شتى إرهاصاتها وتحولاتها بين نادٍ وآخر ومنطقة وأخرى. هذا الاشتعال الفكري الاجتماعي الأدبي الثقافي سيشكل كثيراً من الاندماجات على جميع الأصعدة، ما يدعو إلى التفاؤل والتنبؤ بأن الملتقى المقبل سيبدو الأفضل من سابقيه والأكثر إيقاعاً وتفاعلاً وجدلاً، لا ضير وأن المجال الآن متاح للجدل أكثر مما سبق، هذا ما سيخدم القضايا المطروحة مهما كانت، سواء على قدر من الأهمية أم لا. فالواقع أن المثقف والمثقفة السعودي (ة) مستعد تماماً حتى من خلال حضوره وتعليقه على صناعة جدله الساخن وانتزاع قرار مناسب له إلى حد ما تناسب مع ظروفه الحالية المدنية والسياسية والإقليمية الفكرية بشكل عام». وقالت: «لا أعتقد أن العيب يكمن في المشرفين إدارياً على الملتقى فحسب، بل في عجز المثقف عن تحييد ما هو شللي والعمل بمنطقية تامة والتعامل مع الثقافة على أنها فلسفة سلوك عام لا نخبوي بحت، تتدخل فيه الوساطة والقبلية والعنصرية المناطقية وما شابه ذلك، فلقد لاحظنا في ملتقياتنا أخيراً أن كل ملتقى يتحيز لأهل منطقته في أي مكان أو مدينة من بلادنا، وهذا ضد الثقافة التي ينبغي أن تترفع عن سلوك لا يتناغم أو ينسجم مع سلوك الثقافة بمفهومها المعرفي المدني». ولا تخفي الكاتبة وضحاء آل زعير تفاؤلها قائلة: «الواجب أن أكون متفائلة! فالملتقى فرصة ثمينة لتجديد الهوية الثقافية السعودية. علينا أن نعطي الثقة مُقدماً لمنظمي الملتقى والمشاركين فيه، ونقدم الانطباع الإيجابي في البداية، ثم بعدها نترقب ما سينتج من هذا الملتقى ونراقب مجرياته، ثم نحكم. الانطباع الاستباقي ليس جيداً ولا يخدم. يفصلنا عن الدورة السابقة أكثر من خمس سنوات، ولن أتساءل عن مدى تطبيق توصياتها أو التحرك لتفعيلها، فقد أُصاب بالخيبة. ولكني أبقى متطلعة إلى متابعة أوراق عمل رصينة تُقدم بجدية ما يخدم الثقافة السعودية». وفي ما يخص انعقاد الملتقى في أجواء تطالب بالتغيير وتعتبر محفزة للمطالب، ترى آل زعير أن معظم التوصيات للدورة السابقة «بغض النظر عن كونها نُفّذت أم لا، هي مطالبات قديمة تعدى وقتنا الحالي غالبية ما جاء فيها، فضلاً عن كونها توصيات يمكن أن يُقال عن أكثرها إنها تقليدية تكرر في كل ملتقى ومحفل. ولكن ما يُحفز فعلاً ويجب التوقف عنده، وهو ما آمل أن يكون حاضراً في هذا الملتقى والتغيير الذي نطلبه نحن الشباب، هو تفعيل دور المثقفين الشباب كمشاركين في صنع الثقافة السعودية. فالثقافة عندنا تحتاج لضخ دماء جديدة فيها عوضاً عن الركود والتقليدية التي ترزح كثير من أبواب ثقافتنا في أسرها». رفع سقف الحرية وطباعة الكتب في الداخل... أولوية خاصة