الإنسان بطبعه وغريزته يحب الانتماء الى المجموعات ولا يعيش في معزل عن الآخرين، هذا ما نقرأه كثيراً في الكتب والعلوم الانسانية والاجتماعية، ويحب الإنسان تكوين صداقات مع الآخرين مهما كانت الانتماءات الشخصية والعرقية والصفات السيكلوجية له، فهي غريزة وصفة موروثة ثابتة لدى الجميع، وعندما نتحدث عن المعنى الحقيقي للصداقة المطلوبة والتي يسعى لها الجميع... وليست الصدقة! بحذف الألف والتي هي الاخرى اصبحت للاسف مطلوبة في هذا الوقت مع تزايد حالات الفقر والتضخم وارتفاع الأسعار، أقول إن المعنى الحقيقي للصداقة وللاسف الشديد قد ضل طريقه في هذا الزمن الذي اصبحت المصلحة هي المعنى الواضح له تماماً، لا أظن أحداً يختلف معي على تغلب صداقة المصالح على صداقة الروح والتضحية والانسانية التي ذهبت مع الريح وتركت حال الناس وحاجاتهم عرضة للابتزاز والمصالح الشخصية، ومن النادر تماما أن نلقى في هذا الزمن، للأسف، صداقة لا تشوبها المصالح، فها هم التجار يكونون العلاقات والصداقات من اجل مصلحة اقتصادية بحتة، يروح ضحيتها المستهلكون بالطبع، وها هم المسؤولون والموظفون كذلك من اجل مصالح وترقيات ومكاسب وظيفية، وها هم الشباب يهدفون الى الايقاع بضحاياهم من الفتيات بحجج واهية بصداقات زائفة لاجل الزواج، وحتى هؤلاء الفقراء الذين ليس لهم الا الصداقة لعلها تنسيهم همومهم رموها جانباً وأصبحت المصلحة هي الاولى في الاهتمامات. الدول أيضاً تدرك معنى صداقات المصالح ونشاهدها علناً عند الحصار الاقتصادي لاي بلد يعارض سياسة الاقوياء ويكتشف نفسه معزولاً وغير مرغوب فيه عند دول كانت تتبادل معه التجارة والمصالح الاقتصادية... أبحر بعيداً عن الإنسان وأرى في صداقة المصالح قد نالت منالها مع غير الانسان، فحتى الحيوان اصبح يفكر بهذه العقلية الفذة من حب التملك والسيطرة على مملكته القريبة وما فيها من مصالح له، حتى احتارت معه جمعيات حقوق الحيوان ودفاعها عنه من تسلط الانسان عليه. ان كلمة الصداقة ونحن في اليوم العالمي لها قد ذبلت وجفت عروقها وطويت في عالم النسيان واستبدلت بهذه الكلمة كلمة المصلحة، وهي ذلك المعنى الذي يحرك ويؤثر على كل انواع العلاقات البشرية والانسانية للأسف... وما من إنسان على ظهر هذه البشرية الا وقد صدم في صداقة كان يحسبها أملاً ونبراساً يضيء له طريق الحياة، فإذا هي حية متربصة ومتحينة الفرصة للانقضاض على بقايا هذا الامل وجعله سراباً وبياناً بان الصداقة من دون مصلحة قد ولى زمنها واستبدل بمعنى آخر يقول كم تدفع لأكون صديقا وفيا؟ * كاتبة سعودية.