حين بلغتُ السابعة بدأت مخاوفي التي تركزت في الحصول على حب أمي وأبي، وحب معلماتي في المدرسة عن طريق التفوق الدراسي حتى أسمع جملة واحدة فقط أنت بنت شاطرة وحين بلغت العاشرة كنت حريصة على أن أكون بنت خدومة تسارع لخدمة من حولها حتى تكسب رضاهم، وحين بدأت علامات النضج الأنثوي في الظهور جاهدت طويلاً وكثيراً لإخفاء الخجل... كنت أصم إذنَي عن سماع تعليقات"مبهمة أو ساخرة"، لم افهم في تلك السن مغزاها سوى أنها حديث نساء اتخذن مني مادة مسلية، واستمرت مخاوفي حتى يقال عني جميلة ومهذبة أو-على الأقل- مميزة ! وعند بلوغي الثامنة عشرة انتابني خوف من نوع جديد، خوف طابعه الترقب والانتظار والتساؤل: هل سيتقدم احد ما لخطبتي، خصوصاً ونحن مجتمع يصنف من بلغت العشرين ولم تخطب أو تتزوج بأن سوقها ليست على ما يرام، كنت افرح لزميلاتي اللاتي خُطبن أو تزوجن حتى لو لم تكن المتزوجة سعيدة ، فهي- على الأقل - قد نجت من العنوسة"! تميزت في عملي، كانت مخاوفي مركزة على مساومة أخي الأكبر لي وتلويحه الدائم بمنعي من العمل، وحين خُطبت كنت أخشى ان يتركني خطيبي ويقول الآخرون - ربما أقربهم لي بلهجة لا تخلو من نبرة شماتة - لقد تركها! وكنت على استعداد لتقبل أي شيء حتى يتم الزواج. وحين استمرت الخطبة، وبدأت ترتيبات الزواج كنت أخشى من المجهول، فالتعليقات التي أسمعها عن تجارب هذه أو تلك ممن سبقني إلى الزواج لم تكن مطمئنة، إذ أشعرتني كثيراً أنني مقبلة على حرب باردة وسرية وغير معلنة، مع اقتراب الموعد بدأت مخاوف أخرى قاتلة: هل أتمكن من إثبات نقائي؟ وهل سأكون على سجيتي؟ هل أستجيب لزوجي بصورة تلقائية مع تجربتي الأولى في الحياة الزوجية. أم أستمع إلى داعيات التمثيل وتقمص قناع الخوف حتى لا يفهم زوجي أنني جريئة أو يترجم عقله تقبلي له أنها نتاج"خبرة سابقة"! وحين حملت كنت أخشى من المجهول، هل سيكتمل حملي؟ وهل سأنجب طفلاً سليماً، وهل سأتمكن من اختيار اسمه؟ وتركزت أكبر مخاوفي بعد ولادته سليماً ومعافى على تساؤل جديد هو: هل سيكتب والده اسمي في شهادة ميلاده؟ وحين كبر ابني كنت أتحاشى المشكلات خوفاً من غضب أهلي وغضب زوجي، فأنا عالقة بينهما وكل طرف يحاول إثبات رجولته على حسابي، أو بالأحرى باستخدامي... أصبحت أخاف من فقده، كنت أستسلم لكل شيء، وأي شيء وأنا اعلم أنها حرب مساومة سرية في مقابل أن يكون طفلي في حضني. وحين كثرت المشكلات، وتم التلويح بالطلاق كنت مصرة على حضانة طفلي، عندها بدأت مخاوف من نوع آخر: هل سيعامل أبي وأخواني ابني معاملة جيدة أم سيسومونه الذل لأنه ابن فلان الذي طلقني؟ وكنت أصمت خوفاً من سماع كلمة تهديد بإرجاع الطفل إلى أبيه أو إلى أهل أبيه! وحين كبر طفلي وعاد إلى والده، كنت أخشى ألا أراه، وألا يكون لي دور في حياته، وحين كبر أكثر وأختار شريكة حياته، كنت أخشى زيارته أو البقاء عنده خوفاً من مضايقة زوجته، أو بالأحرى خوفا ًمن أن أكون ضيفة ثقيلة عليهما! وحين تقدم لي رجل مناسب، كنت أخشى على مشاعر ابني الذي بدا وجهه متجهماً وعبر عن رفضه بكلمات مهينة"أنت في الأربعين فلماذا تتزوجين؟!" وحين وافق على مضض تزوجت وأنا أخشى أن يمنعه زوجي الجديد من دخول منزلي، وحين بدأت المشكلات بين زوجي وأهلي تركز خوفي على تفريقي من زوجي، وحين نجح أخي في ذلك، وكان له ما أراد تنبهت إلى أنني أقبع كالمجرمات المعزولات في ملحق في منزل أخي، فأنا مطلقة للمرة الثانية، والممنوع في حياتي أكثر من الهواء الذي أتنفسه! وحين تحررت - أخيراً - من مخاوفي، واستعرضت تفاصيل حياتي، أدركت - حينها فقط - أن كل تلك المخاوف لازمتني منذ السابعة وحتى الأربعين من عمري، وبسببها انتهت حياتي كإنسانة لها حقوق قبل أن تبدأ! [email protected]