أجيال تتابع منها ما يبقى، ومنها ما يموت، ومنها ما يتطور، ويبدو أن صفة الأجيال تختص بكل نوع على هذه الأرض، فلم تعد مقصورة على النوع البشري فقط، فها هو الجيل الخامس من الثروة الالكترونية المسمى"النانو تكنولوجي"قد أطل علينا بثورته الهائلة، وقفزته غير المتوقعة، وقد بدأ الاهتمام بهذا العلم منذ عام 1980 تقريباً عندما عرض رائد تكنولوجيا النانو"ايريك دريكسلر"رؤيته على عدد من العلماء المتخصصين والقريبين منه، فظهر الأمر على أنه أبعد من أن يصدق وقالوا له"إن هذا الشيء بأكمله مستحيل"! واستمرت الأبحاث حتى تقبل المجتمع الدولي الموضوع، خصوصاً حين قام الرئيس الأميركي عام 2000 بدعمه بمبلغ 500 مليون دولار كمبادرة منه لتطوير"النانو تكنولوجي"، لأنه لابد منه من أجل رقي وتقدم ورفاهية عالمنا الذي نعيش فيه... وهذا النانو هو الجيل الخامس في عالم الالكترونيات بعد الجيل الأول"اللامب"، والجيل الثاني"الترانزيستور"، ثم الثالث الذي استخدم"الدارات"، ثم الرابع من"المعالجات الصغيرة"، أما"النانو"فهو علم يدرس في منطقة محصورة ما بين العلوم الذرية، والعلوم الكيماوية، والنانو كلمة ذات أصل يوناني تعني"تقنيات تصنع على مقياس النانومتر"، وهو أصغر بنحو 80 ألف مرة من قطر الشعرة. ولدعم تطور"النانو"أوقفت أميركا"40 ألف"عالم أميركي للعمل في هذا التخصص وتقدر الموازنة الأميركية المقدمة لهذا العام حتى عام 2015 بمبلغ ترليون دولار، وتعد التطبيقات الطبية من أهم التطبيقات الواعدة في هذا المجال على الإطلاق للحصول على"مركبات ثانوية"تدخل جسم الإنسان وتحدد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المطلوبة علاجياً، لتعيد بناء الأنسجة، كما يمكنها أن تحقن الأنسولين داخل الخلايا لمرض السكري أو تدخل للخلايا السرطانية فتدمرها، وتطبيقات طبية أخرى كثيرة. ليعذرني القراء إن اختزلت الحديث في هذا الموضوع العلمي الدقيق والمتشعب، وما ذاك إلا للانتقال إلى جوانب أخرى أراها تلتصق بالموضوع التصاقاً حميماً، وهي جوانب فيها حسرة وعزة وعبرة. أما عن الحسرة: فأذكرها هنا، إذ أتحسر ألماً على إهدارنا لعلوم كثيرة، علوم تنتفع بها البشرية أيما انتفاع، خصوصاً أن القائمين عليها أهل علم ودين، وحسرة على علوم لا يصرف عليها لتطويرها، وعلوم بلا مراكز للأبحاث، ويكفي أن نعلم أن اليابان رصدت لدعم النانو تكنولوجي لعام 2007 مليون دولار، والولايات المتحدة 500 مليون دولار، ودول صناعية أخرى تضخ الملايين من أجله، بالله عليكم أليست الدول العربية في حاجة لذلك، وأولى به من سواها لإثبات حضورها عالمياً؟ أما العزة: فهي عن"رائد النانو العربي"الذي أعتقد - لو أتيحت الفرصة له - ولكثير من علمائنا العرب المجهولين في أوطانهم لبرزوا ونجحوا، كما اعتقد أن الكثيرين لا يعرفون عنه شيئاً، كما يعرفون عن نانسي وأليسا، والمتسابقات، وشاعر المليون... والبركة في إعلامنا وتركيزه على أمور ليست بأهمية رائد النانو المجهول من كثير من الشباب! [email protected]