تفكر الروائية السعودية أمل الفاران بصوت عال حين تكتب، روحها موشومة بالهم الإنساني والتعبير عنه بالكتابة. من وجهة نظرها الأديب شاهد امتياز على الواقع، تتوقف ألماً فقط حين تجد المرأة المبدعة مسكونة بصوت الرجل لتبرر نظرته للأمور، تمتعض لأن المرأة مقصية ومظلومة قياساً وإجماعا في قضاياها. الروائية أمل الفاران أصبحت من دون أن تسعى إلى ذلك وجهة الراغبات في تقويم لعمل أو تأكيد لموهبة، تحاول إضافة النصوص الإبداعية المناسبة على المنهج القديم، لتمنح طالباتها فرصة اكتشاف إبداع معاصر وجميل يستحق المتابعة والمطالعة. صدرت لها رواية ثانية بعنوان:"كائنات من طرب"عن دار الآداب، وحققت مبيعات جيدة في الدورة الأخيرة من معرض الرياض للكتاب."الحياة"التقتها وحاورتها حول عدد من القضايا والمواضيع الثقافية. وُصفت روايتك الأولى"روحها الموشومة بك"بأنها"أُسرية بامتياز"فهل تنتمين إلى فريق أنسنة الأدب وسِيَر الشخصيات؟ - لست مفتونة بالتصنيف، ولا بالمسميات الكبيرة اليابسة، أكتب ما أحسه كما أحس أنه الأفضل لصياغته. هل تستعينين بالأشياء والشخوص للتأثير في بنية النص، وهل تعتبرين ذلك من أهم ما يميز تقنية السرد لديك؟ - تقنية السرد عندي لا أجدها هي ذاتها من كتابة لأخرى، لذا حقيقة لا أدري ما يميزها. القارئ لنصوصك يجد معالجة"مبطنة"للمجتمع، إلى أي مدى تؤثر الكتابة الروائية في معالجة قضاياه؟ - الأديب - من وجهة نظري شاهد امتياز - على عصره ومجتمعه، لديه الرؤية الحادة للأشياء والبشر، وعليه أن يقول ما يراه، والبراعة في أن يقوله من دون تنظير أو كلمات رنانة. كتب كثيرون عن روايتك، فهل شجعتك تلك الكتابات على التريث أكثر؟ - أحترم جداً كل ما يكتب عني أو أية إشارة في ما يخص ما أكتبه، أما بالنسبة إلى التريث في خطواتي فهذا أمر لا يد لي فيه. من خلال متابعتك لما يطرح من جديد للرواية النسائية السعودية هل يختلف النسق الأدبي في الرواية السعودية عن النسق الاجتماعي السائد؟ - لا أعرف فأنا من بيئة صحراوية لها سمات خاصة، ولست كثيرة الاتصال بما هو خارجها، لذا لا أستطيع أن أبدي رأياً في الموضوع. هل تعتبرين روحك موشومة بالأدب الروائي أم بالقصصي البسيط؟ - روحي موشومة بالهم الإنساني والتعبير عنه بهذه العظيمة الكتابة وأنا لا أفرق فيها بين الرواية والقصة، كلتاهما عزيزة علي، وكلتاهما قالتني بشكل أو بآخر. وهل تختلف لديك تجربة كتابة القصة عن كتابة الرواية، وأين يكمن هذا الاختلاف؟ - التجربة بالتأكيد مختلفة في ما تستهلكه الرواية من جهد ووقت ومثابرة وروعة الدفقة في القصة، وما تمتصه الرواية من مشاعر وأفكار. ذكرت مرة أن"مناهج اللغة العربية والأدب التي تدرس في المدارس السعودية عقبة في وجه أي معلم، يرغب في أن يتلمس طلابه مواطن الجمال في أي إبداع يتم تدريسه"فهل برأيك اختلف الإبداع في النص الأدبي القديم، الذي ملأ صفحات منهج الأدب المدرسي عن الإبداع الحديث؟ - لا، الإبداع لا يختلف في قديمه وحديثه إلا في الشكل، أما الهم فواحد، أنا لم أوازن بين تدريس نص للمتنبي ونص للسياب، ما أواجهه في كتب النصوص والبلاغة هو كلمات منظومة على هيئة أشطار متقابلة، تسمى عدواناً بالشعر، ربما اجتهد فيها كتاب وضعوا الكتب الدراسية قبل سنوات عدة، حاولوا فيها المحافظة على الوزن والقافية والفكرة فتفلت منهم الإبداع لعدم وجوده أساساً. فالمشكلة كانت في الفكر وراء اختيار النصوص، ما أدى لحشو المناهج بنصوص تعليمية غير إبداعية، وما كنت أفعله هو أن أطوع المنهج فأدرس النصوص الموجودة فيه، وأضيف النصوص الإبداعية التي أراها مناسبة على الأقل، لأمنح طالبتي التي أنا مصدر معرفتها الوثيق فرصة اكتشاف، أن ثمة إبداعاً معاصراً وجميلاً لأنمي في داخلها ميلاً لمتابعة مطالعته. واجهت صعوبات عندما تجرأت على المنهج المدرسي تجرأت بإضافة بعض الإنتاج الأدبي السعودي الحديث إلى منهج الأدب، الذي تُدرسين كما ذكرت سابقاً"بسبب ركاكة وقدم محتوى المنهج الدراسي"، هل واجهتك صعوبات جراء هذا الفعل؟ وهل اعتراضك المعلن أفادك، أم سبب لك الضرر؟ - هناك صعوبات، وهناك مكاسب، في البداية كان تقبل الطالبات قليلاً، لأن هم الحصول على الدرجات والتخوف من مقرر مرن لم يعتدنه، لكن مع الوقت صرت ألمس ثمار الجهد في محاولاتهن الكتابية أو نقاشاتهن. تساءلت في مقال لك بعنوان"الفقه النسوي"أن الإرث الثقافي العربي يشحن ذاكرته بكل ما يقلل من شأن المرأة ويحقرها، مؤكدة طول المقال أن هناك ضرورة لدخول المرأة حقل"الفقه"، لأن ثمة تفاصيل في ما يخص المرأة لا يعيها الرجل لو اجتهد، هل لاقى تساؤلك أي رد؟ - أنا كنت أفكر بصوت عال فقط. تنادين بوجود فقه نسوي على غرار النقد النسوي، هل أنت مع فصل الأدب كحالة نسوية خصوصاً ونسوية مع كل الحالات الاجتماعية عموماً، بحسب الجنس"ذكر وأنثى"؟ - طالبت بفقه نسوي، أما بخصوص الأدب النسوي، فالأمر من وجهة نظري يختلف، فأنا وأنت حين نقرأ الأدب الخالد لا نتوقف لحظة عند جنس صانعه، أنا أتوقف بألم فقط حين أجد المرأة المبدعة مسكونة بصوت الرجل تبرر نظرته للأمور، أو محصورة في مجال مخالفته وبيان مساوئه، الحياة عندي أكبر من ذلك، وعليه فالأدب الذي تنتجه المرأة يجب أن يكون أعم وأكثر إنسانية. هل ثمة تناقض لدى الفاران حينما تنادين بالمساواة بين البنين والبنات في وزارة التعليم، وبين الفصل بينهما كما في المطالبة بإيجاد الفقه النسوي، أم أن التناقض ملازم للمبدع ويأتي لديه بحسب الضرورة؟ - أبداً، ولو لاحظت فستجدين أن الهدف واحد، فحين أطالب بمساواة البنات بالبنين فأنا أريد للمجتمع أولاً وللمرأة ثانياً قناعة بأن المرأة لا تقل عن شقيقها الرجل، لذا فلا مبرر لتحصل على نصف الراتب، ونصف الفرص، ونصف التقدير. وحين أنادي بالفقه النسوي فأنا أريد للمرأة أيضاً من خلال الدين أن تبعد عنها شبهات أنها أقل قدراً وقدرة، لأنني لا أنتظر من الرجل أن يفعل ذلك لها ونيابة عنها. هناك قضايا تظلم فيها المرأة، لأن القول الفصل فيها قياساً أو إجماعاً لا تقربه المرأة. هل الإعلام هو البعيد عنك، أم أنت من يتقصد البعد عنه؟ - أنا بعيدة عن الإعلام، هي خطيئتي التي تسلبني الكثير يومياً، لكنني لا أندم عليها، لا من عيب في الإعلام بل في طباعي، لا أملك جَلَد الظهور.