قراءة وضع المرأة في العالم اليوم تنبئ بالعديد من الإضاءات المهمة والمحورية التي يلزم المعنيون بقضايا المرأة والمجتمع الالتفات لها وأخذها بعين الاعتبار، فالنساء في جميع الثقافات يشتركن في فطرة واحدة لم يغيرها أصلها وثوابتها والعوامل البيئية أو الظروف المعيشية، فالمرأة تتوق دائمًا للعناية بالأسرة وبالزينة، وما يتعلق بها وما ينطوي عليهما من أبعاد وتفاصيل تتشعب من دون أن تبتعد عن بواعثها الأساسية، وقد أسهم هذا والعولمة الثقافية في توحيد هذه الاهتمامات، فأصبحنا نرى كثيراً من النساء يشتركن في طريقة اللباس، بل إنهن يشترين من محال محددة تعرض الموديلات ذاتها للمرأة العربية والأوروبية والشرق آسيوية، بينما في السابق كان لباس المرأة من أدق الأمور التي تميز كل ثقافة عن غيرها، ولا تزال إلى اليوم دلالة للتعرف على تراث كل منطقة، وعلى رغم هذه القواسم المشتركة فالناحية الفكرية للمرأة لا تزال تختلف من مجتمع لآخر لتصبح هي الأخرى سمة للتعرف على ثقافة مجتمع بعينه. أصبحت محصلة هذا الاشتراك أن وضع المرأة في الأجزاء المؤثرة من العالم ? خصوصاً في العالم الغربي- بات يؤثر على وضعها في بقية أنحائه، وقد حاول المجتمع الدولي عبر هيئاته ومنظماته المدنية والحكومية التقليل من المشكلات التي تحيق بالمرأة، باعتبار ضعفها الذي قد يعرضها للاستغلال، فكانت الحلول التي تواطؤوا عليها، بحسب اجتهادهم، تتلخص في سن القوانين التي تؤكد على أهمية وقف التسلط الذي يمارس ضدها ومساواتها بالرجل في جميع مناحي الحياة، في قياس يعتمد على وضع المرأة الأوروبية في مجتمعها ويسقطه على المجتمعات الأخرى بغض النظر عن ثقافتها ومكانة المرأة فيها. والخطوة الأولى التي يفترض القيام بها قبل مرحلة سن القوانين وإصدار التوصيات، هي معرفة السبب الذي تتعرض المرأة للظلم لأجله، والنظرة الدونية لها والتي تجردها من كرامتها، والذي نشأ من عدم الإدراك الحقيقي لدور المرأة الذي خلقها الله لأجله، والذي لا يقتصر على الحمل والولادة وشؤون المنزل، بل يتعدى ذلك ليشمل احتواء العالم عبر توفير الاستقرار الأسري الذي يعتبر النواة الحقيقية التي لا تصلح المجتمعات إلا بصلاحها، والتربية التي تحدد شخصية الإنسان وبالتالي مصيره. فالأسرة ليس لها قيمة ما لم تقم المرأة على رعايتها والإسهام في بنائها، والإنسان السوي لا يمكنه العيش من دون أن تضيء المرأة حياته وتلهمه بالأفكار التي تقوده للنجاح والتفوق... فليست هناك قيمة للحديث عن حقوق المرأة إذا أغفل هذا الدور من استراتيجيات التخطيط لمستقبلها، لأنه يعني إغفال دورها المقدس في صناعة الإنسان، ليس من الناحية البيولوجية فحسب، بل من الناحية الفكرية التي تكشف له عن معاني الحياة منذ أن يفتح عينيه عليها وهي المرحلة الأكثر تأثيراً. وإدراك المرأة من دون إغفال هذا الإطار هو الطريق الحقيقي للحصول على حقوقها كاملة كمواطنة منتجة في المجتمع، وتفعيل هذه الحقوق على أرض الواقع وليس مجرد التنظير أو إيهامها بحقوق هامشية لا تمثل ما تحتاجه المرأة على الحقيقة ولا ترتبط بالجوهر بأي حال. إن كرامة المرأة وصونها عن الدنايا هو الحق الأول الذي خسرته نساء العالم جميعاً، عندما أصبحت عادة المدن المتقدمة أن تعتلي الصور المغرية للمرأة مبانيها، في تعميم لثقافة الإغراء في الإعلام العالمي، هذا ما أصاب إنسانية المرأة وكرامتها في المقتل، وحولها من إنسان إلى شيء كالدمى بلا فكر ولا روح، ويشد الخناق عليها بدفعها للظهور بالمظاهر المغرية، واستخدام وسائل الإثارة للحصول على القبول في مجتمعها ومجال عملها ودراستها، فالمرأة تُقيّم بجسدها والرجل يُقيّم بفكره، وتضيع المرأة في معادلة مجحفة تدعي المساواة وهي أبعد ما تكون عنها، وتضيع معها كرامتها، وتغرق الإنسانية في مزيد من الانحراف الذي سببه عدم تمكين المرأة من دورها الذي سخرت له، والذي ينطوي عليه استمرار الحياة وصلاحها في الكون. هذه الثقافة التي روج لها الإعلام العالمي كانت السبب الأول لضياع حقوق المرأة، عندما سنت النظر لها من زاوية غرائزية، وهذا ما منعها من المشاركة الطبيعية الآمنة في جميع مناحي الحياة، لأن الرجل بات يعتقد أن كل النساء مثل الصورة الموجودة على المباني والشاشات، نتيجة للتكريس المستمر لعرضها بهذه الطريقة، فلم تقم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس أنها علاقة تكاملية تستهدف تنمية المجتمع وبناءه، فالكرامة المفقودة للمرأة هي الحق الذي ينبغي أن يُطالب به وتُعد المؤتمرات وتُعقد المواثيق بما يضمن استدراك ما يمكن استدراكه، وهي ما تحتاج إليه المرأة قبل المنصب السياسي أو الاستقلالية، لأنهما لن يؤديا إلى تغيير النظرة التي باتت لا تراها كإنسان بل كجسد. وأرى بأن علاج ذلك يكون عبر تفعيل ثقافة العفة، وما يتصل بها من معانٍ، بحيث تكون الظاهرة الظاهرة في المجتمعات والبيوت والعقول، ومن أبجديات العفة ألا تكون النظرة للمرأة مادية، تستخدم في الترويج للمواد الإعلامية والتجارية، فالرجال نجدهم على غاية الاحتشام والوقار، بينما النساء على العكس من ذلك، لا يكون مظهرهن مألوفاً في المجتمع إذا التزمن بالاحتشام. وثقافة العفة هذه تلزم تكريس الهيئة المحتشمة للمرأة على الأقل من باب المساواة بالرجل، والاعتراف بعملها في بيتها وتربية أبنائها، بحيث لا يكون مفهوم العمل مقصوراً على ما هو خارج المنزل، لأن المنزل هو ميدان عملها ودورها الأساس، فضلاًً عما يحتاج إليه من جهد ووقت وما يؤدي إليه من استثمار حقيقي للطاقات، عبر تربية الإنسان في جو من الاستقرار، وهو ما يضمن نشأته نشأة سوية، وهذا ما لا يجب أن يغيب عن المهتمين بشؤون المرأة، الذين يريدون للحضارة أن تقوم على أسس ثابتة وفق سنن الله في الكون التي اصطلحت عليها البشرية منذ قيامها. ونحن في بلادنا - ولله الحمد - نلحظ أن ثقافة الاحتشام ظاهرة في المجتمع، إلا أن الإعلام يعود ليؤكد على إظهار المرأة في مظاهر مثيرة واستغلالها أبشع استغلال، ما أدى إلى الانجراف شيئاً فشيئاً وراء تلك التيارات وتغير النظرة للمرأة، فلم يعد ينظر لها كأم وأخت، فمظاهر العفة يجب أن تشمل كل المصادر التي يتلقاها المجتمع في الإعلام والشارع وجميع المرافق كي تؤتي أكلها كما يجب، وعند حصول ذلك تستطيع المرأة أن تكون مشاركة في كل المجالات النابعة من حاجة المجتمع وليس مما يملى عليها، وستعاد لها كرامتها كإنسان فاعل في الحياة وهو ما تحتاج إليه. [email protected]