الحاجة أُمُّ الاختراع، وهي الدافع أيضاً والمحفز للإبداعية، ولذلك فإن أزمة الغلاء المرهقة للنفوس والجيوب في هذه الأيام تدفع الناس إلى البحث عن مخارج أو حزمة من حلول لتتقي شرور الأسعار المرتفعة، خصوصاً في المنتجات الغذائية، فهي تراوغ المنتجات المستوردة باستبدالها بالمحلية وتراقب مؤشر الأسعار الذي بادرت به"أمانة الرياض"مشكورة لتتعرف على المنافذ الأرخض على رغم أن الفوارق لا تغطّي قيمة الوقود الإضافية للحصول على خفض قدره 10 ريالات من سوبرماركت يبعد 20 كيلومتراً! المنتجون رأس الحربة، وهم يشْكون ارتفاع مدخلات الانتاج من مواد خام ومحاصيل وعمالة وطاقة وتوزيع، والموزعون يتذرعون بضغوط كلفة البيع من إيجارات وموظفين، ويشْكون أيضاً انخفاض الهامش وارتداد حجم البيع الى نقطة متدنية نتيجة ارتفاع الأسعار، وبينما يعجز المستهلكون أفراداً وجماعات عن منافسة المنتجين بقدراتهم الكبيرة وخبراتهم الوفيرة يبحثون اليوم في المملكة فكرة تأسيس جمعيات تعاونية تتولى البيع بأسعار معقولة وبعوائد للمشتركين من سكان الحي في نهاية العام. الفكرة تبدو منطقية، وهي مطبقة منذ زمن في كثير من دول العالم وحتى في دول قريبة كالكويت مثلاً، وفكرتها أن شراء السلع بشكل جماعي وبكميات كبيرة يمكّن المستهلكين من الحصول عليها بسعر أقل على أن تضيف الجمعية هامشاً يغطي كلفة البيع، والفائض يعاد إلى المستهلكين الذين يكون معظمهم مساهمين في الجمعية فينعمون بالسعر الرخيص وعائد على الاستثمار. لا تبدو الفكرة منطقية فقط، بل و"حالمة"في بعض الأحيان، فهي أولاً لن تستطيع كبح جماح الأسعار، لأن هامش الربح للموزعين ممن يملكون سلسلة متاجر التجزئة لا تقارن بهامش المنتجين، إلا في ما ندر، وفي سلع معينة وعليه فإن إسقاط هذا الهامش أو على الأقل خفضه لمصلحة المستهلك لن يكون مؤثراً بالشكل المأمول اليوم، ولن تحقق طموحات الناس في الحصول على سلع رخيصة، وفي الكويت أيضاً اجتاحت حمى الغلاء كل المتاجر ولم تستثن أحداً بما فيها الجمعيات التعاونية. الأهم أيضاً أن إدارة مثل هذا الجمعيات التعاونية بكفاءة وتشغيلها بفعالية بشكل يرضي المستهلكين والمساهمين غاية ليس من السهل الوصول إليها، فالجميع حريص على السعر المنخفض والخدمة الجيدة والعائد المجزي، وهي معادلة تحتاج في تحقيقها إلى مهنية عالية في الإدارة والتخطيط واحترافية متطورة وفلسفة عمل ثبت أن القطاع الخاص أكثر نجاحاً في تعميمها وتطبيقها، وفي الكويت والبحرين أيضاً هناك شواهد نجاح وفشل تعود كلها إلى إدارة التشغيل. المحصلة أن التجربة تحاكي عمل الشركات المساهمة التي تعمل في تجارة التجزئة بالمواد الغذائية والاستهلاكية، والفرق أن المستهلكين يمتلكون كامل أسهم الشركة وينتخبون مجلس إدارتها الذي يعين الفريق الإداري ويعتمد الخطط والاستراتيجيات، وبدلاً من أن نعيد اختراع العجلة... لماذا لا تبادر تلك الشركات التي تدير السلاسل الكبيرة في طرح غالبية أسهمها لمستهلكيها وتكسب هذا الزخم من الجماهير نحو التوفير وتحقيق العائد في رفع مبيعاتها ونمو حصتها السوقية؟ [email protected]