يطرح ملحق"آفاق"محور المثقف والتلفزيون، علاقة تقوم على الانتقاء أم الاستسلام لسيل البرامج الجارف؟ يعتبر التلفزيون، بحسب عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيير بورديو، من أدوات"العنف الرمزي"الذي تمارسه طبقات اجتماعية على بعضها البعض، وأداة رئيسة للضبط والتحكم الاجتماعي في المجتمعات الحديثة. يرى بورديو أيضاً أن جزءاً من العمل الرمزي للتلفزيون يعبر عن فعل مزدوج المهام، أي يمارس عملية الجذب باتجاه حدث معين، بينما يسعى إلى إخفاء أحداث أخرى. هل يعي المثقف هذا الدور المزدوج - حال مشاهدته الفضائيات - أم يستسلم في دعة لما يبث أمامه؟ للتلفزيون حضور مهم في حياة الكثيرين وأنا منهم، أحاول جاهداً أن أكون انتقائياً في مشاهدتي، وبعض ما أشاهده يأتي نتيجة تلقائية للتكوين الشخصي وطبيعة الاهتمامات، فليس فيه كبير انتقاء أو جهد في البحث، فالبرامج الثقافية الحوارية مثلاً والأفلام المميزة تأتي ضمن القائمة اليومية أو شبه اليومية. ولكن هذه في تقديري هي اختيار يشترك فيه اكثيرون وليس مما يميز شخصً عن آخر في إطار النشاط الثقافي، بعض برامج قناتي"التنوير"و"الثقافية"المصريتين تدخل في تلك القائمة، وكذلك بعض برامج قنوات"العربية"و"الجزيرة"و"الحوار"و"دبي"ذات الطابع الثقافي. لكن علاقتي بالتلفزيون تمتد إلى ما لا يشترك معي فيه بالضرورة من يشاركونني الهم الثقافي أو الإبداعي، فأنا مثلاً حريص على مشاهدة القناة الألمانية"دويتش فيDW"لما أجده في بعض برامجها المنتقاة من التلفزيون الألماني عموماً من تميز، سواء في التنوع أم الجودة، أم في مستوى المهنية العالي في التنفيذ، ومن هذه القناة تمتد اهتماماتي أحياناً لل"بي بي سي"وال"سي إن إن"، لكني أميل إلى البريطانيين في هذا السياق. تستهويني أيضاً المنوعات الغنائية، التي تقدم طرباً شرقياً خالصاً، فأنا من محبي الطرب الشرقي القديم والحديث، وكنت في السنوات الماضية أتابع على بعض القنوات اللبنانية برامج مميزة في هذا السياق، لكنها توقفت بكل أسف. إلى جانب هذا كله تمثل الأخبار حضوراً أساسياً وطاغياً بكل تأكيد ومع أني أحياناً أشعر بتميز هذا العصر من الناحية الإخبارية، وقدرتنا على معرفة أهم الأحداث، فإنني في أحيان أخرى أشعر بتعاسة الإنسان المعاصر، إذ يرغم على مشاهدة سلاسل لا تنتهي من الأنباء حول القتل والدمار، مما لا يحتاج إلى مشاهدته أو ما لا يعنيه مباشرة.