حذّر المشاركون في ندوة"صحافة المناطق"التي نظمتها مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في مدينة سكاكا مساء الثلثاء الماضي، في حضور وكيل إمارة منطقة الجوف أحمد بن عبدالله آل الشيخ في دار الجوف للعلوم، من وجود صحافة مناطقية هدفها المساس بالوحدة الوطنية. وأكدوا أن صحف المناطق يجب أن تكون موجهة إلى جميع مناطق المملكة، مع اهتمامها الرئيس بالمنطقة التي تصدر منها، مع ضرورة التزامها بالأهداف والمصالح العليا للدولة. ورفض رئيس تحرير صحيفة"الجزيرة"خالد المالك إصدار صحف المناطق،"وإن وجدت بعض الإيجابيات". متخوفاً من ابتعاد تلك الصحف عن"الصورة الجميلة"المرسومة لها قبل إصدارها،"وأخشى ما أخشاه أن تكرس أموراً لا تخدم الرقعة التي تصدر منها". وأضاف:"المتطلبات المالية والتجهيزات الفنية التي نبغي توفيرها لتمكين مثل هذه الصحافة من الصدور ستكون مكلفة، ما سيعوق انتشارها وتدوير استثمارات إصدارها، ويهدد فرصتها في الاستمرار بالصدور". وأشار إلى أن قراء الصحف الإقليمية في خارج السعودية لا يقارن بعدد القراء داخلها، وقال:"بافتراض أننا مقدمون على إصدار صحيفة مناطقية، هل لدينا 800 ألف قارئ يومياً مستعدون لشراء تلك الصحيفة، كما هو في إحدى تلك الصحف العالمية؟". الصحافة الإقليمية وإهدار أموال المستثمرين وتساءل المالك عن حجم المساحات الإعلانية في صحافة المناطق والتي تركز على أخبار أقاليمها، وأضاف:"من المستحيل أن تحوز صحافة المناطق الإعلانات من صحف شرائح قرائها أكبر وتستهدف مناطق عدة". ولفت إلى مشكلة عدم توافر قوى بشرية من صحافيين وفنيين في المدن الصغيرة،"إذا علمنا أن الصحف اليومية في مدننا الرئيسية تعاني الآن من نقص في الكوادر الصحافية". مبدياً تخوفه من تكريس صحافة المناطق ل"الإقليمية"وتبنيها ما يؤدي إلى ذلك،"خصوصاً بعد ما آلت إليه بعض الاجتهادات الإعلامية، ما يصنف على أنه خدمة للموروث واستذكار للتاريخ، فإذا بنا نُصدم بممارسات أعادتنا إلى نبش الماضي البغيض". وقال إن الصحيفة التي تصدر من منطقة معينة وتوزع في مناطق المملكة كافة لا تعتبر صحيفة إقليمية، معدداً فوائد إصدار صحيفة من منطقة معينة، مثل: التواصل بين المواطنين من خلال الأخبار والمعلومات التي ستنشر بكثافة عن المنطقة وأهلها، التركيز على جوانب النقص والقصور في خدمات المنطقة ومؤسساتها الحكومية، تمكين الشبان من التدريب في حقل صحافي جاذب. وذكر أن الصحافة الورقية يلف مستقبلها الغموض في ظل التوجه القوي نحو الصحافة الإلكترونية،"فإذا كان يلوح في الأفق ما يشير إلى إحلال الصحافة الالكترونية محل الصحافة الورقية، فإن توظيف الأموال لاستثمارها في مشاريع الصحافة الإقليمية الورقية هو إهدار لهذا المال". مقترحات لتطوير المهنية الصحافية قال رئيس مؤسسة الإسراء للخدمات الإعلامية رئيس تحرير صحيفة"عكاظ"سابقاً الدكتور هاشم عبده هاشم إن الصحف السعودية اليومية لم تتجاوز نطاق المنطقة التي تصدر فيها،"على رغم من تطور مضامينها وتغطيتها للأحداث والتطورات الإقليمية والدولية ومعايشتها لهموم الإنسان العربي والإسلامي". وعزا السبب إلى مشكلات عدة، مثل: محدودية الإمكانات الطباعية خارج نطاق المدن الرئيسية، ضعف الكوادر البشرية، ضعف التغطية الإعلامية للمناطق الأخرى وعدم توازنها، مشكلات النقل الجوي بين مدن السعودية، استفحال الأمية وإعراض الشبان عن القراءة، ضعف القدرة الشرائية لدى معظم القراء. وأشار إلى أن الصحف اليومية وإن وصلت إلى معظم المناطق خارج منطقة الصدور، فإنها لا تستطيع أن تقدم تغطيات حديثة كافية،"بحكم توقف عملية الإنتاج والمتابعة للمادة الصحافية عند الساعة الرابعة من اليوم السابق لصدور الصحيفة". ولا يرى الدكتور هاشم مشكلة في إصدار صحف المناطق،"فصحافة المناطق تقليد عالمي، ويجب التوسع في إصدارها، تجاوباً مع حاجات القراء وترافقاً مع معدلات التنمية المتزايدة في المناطق الأخرى". وطرح عدداً من المقترحات لتطوير الوضع المهني للصحافة السعودية، ومنها: إنشاء هيئة عليا، فتح المجال أمام الصحافة لتوفير موارد كافية تمكنها من تطوير المهنة، مراجعة السياسات الإعلامية الراهنة وزيادة هامش الحركة أمام وسائل الإعلام، ميكنة العمل الصحافي عن طريق إدخال أحدث أنواع التقنية إليها، تأهيل وتدريب الكوادر الإعلامية وفقاً لخطط وبرامج علمية عالية المستوى، إيجاد كادر وظيفي جديد للعاملين في المؤسسات الصحافية، سن نظام يحمي الصحافيين ويدافع عن حقوقهم. وأشار إلى أن المجتمع السعودي يميل إلى التفكير المشترك،"ولا تؤثر صحافة المناطق في وحدة الوطن، لأنها تقدم معلومات كثيرة عن المناطق تؤدي إلى تنمية مجتمعاتها". وأقر هاشم بأن صحيفة عكاظ خلال رئاسته لها لمدة 27 عاماً لم تقدم إلى منطقة الجوف شيئاً يذكر،"ليس لأنها لا تريد أن تقدم إلى المنطقة شيئاً، لكن يحد من ذلك اعتبارات فنية ومالية وبشرية". وأضاف:"لم تستطع الصحف الكبرى أن تغطي جميع مناطق السعودية، والحل أن نعطي المناطق المقبلة على نهضة تنموية، وسائل إعلام تقدم تلك المناطق تقديماً صحيحاً". واعتبر الكلفة المالية العالية لإصدار صحف المناطق أكبر عائق أمامها،"يكلف إنشاء صحيفة جديدة ما لا يقل عن300 مليون ريال، فالإمكانات البشرية والتقنية موجودة، كما أن القراء والمثقفين موجودون أيضاً، لكن تبقى مشكلة المال اللازم للتمويل". تبديد المخاوف من"المناطقية" واستغرب المدير العام لتحرير صحيفة"الحياة"في السعودية والخليج جميل الذيابي من المخاوف بألا"تتلبس"الصحافة المناطقية الوجه الوطني الكامل، وقال:"لا خوف من الصحافة المناطقية، إذا وجدت الضوابط التي تضمن تكريس الهوية الوطنية، وإذا كانت المخاوف من المسمى، فبإمكاننا تغيير اسم صحيفة الجوف مثلاً إلى اسم آخر مثل صحيفة الغد". مؤيداً استحداث صفحات داخل الصحف للمناطق التي لا توجد فيها صحيفة، وقال:"عندما تهتم الصحيفة بالمناطق فإن أهلها سيهتمون بالصحيفة ويقبلون على شرائها". وأكد أن الصحافة هي الناقل لواقع المجتمع الذي تعمل فيه،"وهي السلطة التي تتابع أداء المؤسسات الرسمية والشعبية". وقال إن أهمية الصحافة الإقليمية تنبع من خلال إسهاماتها"الفاعلة"في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات المحلية،"التي غالباً لا تجد حظها ضمن اهتمامات الصحافة القومية، التي تهتم بالمركز وبأماكن صناعة القرار". وأضاف الذيابي:"كما أن لها أهمية أخرى تنبع من خلال الظروف المحيطة بدول العالم النامية التي تعاني جغرافياً من بعد المسافات، إضافة إلى إنسان المجتمع المحلي البعيد عن مجريات الأمور، إذ يحتاج هذا النوع إلى هذا النوع من الصحافة لربطه بواقعه وواقع بلده، للمشاركة الفاعلة، والاسهام الجاد بالرأي". وذكر أن للصحافة الإقليمية تاريخ طويل وإنجازات كبيرة عالمياً،"فهي في العالم المتقدم تعد من ضروريات الحياة، وكانت أول صحيفة إقليمية صدرت في إنكلترا، وهي صحيفة مانشستر غاردين التي أصبحت تصدر الآن من لندن باسم الغارديان". وعرض الذيابي تجربة صحيفة"الحياة"في ربطها المجتمع الدولي بالمحلي، وقال:"طرحت الصحيفة مشروع الطبعات السعودية التي كانت بمثابة نقلة وثورة على مستوى الصحافة السعودية، عبرها احتلت الصحيفة في وقت وجيز، لم يتجاوز الثلاث سنوات، مرتبةً متقدمة بين الصحف السعودية في مدن المملكة المختلفة". وأضاف:"أضحى مشروعاً فريداً من نوعه بين الصحف السعودية، إذ هي المرة الأولى التي تعتمد فيها دار صحافية إلى الاتجاه إلى مناطق البلاد المختلفة بطبعات تُعد خصيصاً لكل منطقة، بما يناسب الفعاليات التي تشهدها، وبما يلائم خصوصيتها وطابعها المحلي". وأشار إلى أن هذا المشروع"فرّخ"العديد من الكوادر الصحافية السعودية الشابة التي تحتل مواقع قيادية في الصحيفة الآن. وأكد أن الصحيفة انحازت لهموم المواطن وذهبت إليه في منطقته لتوصل صوته وتطلعاته ومعاناته للمسؤولين،"ما جعلها تتمكن من القيام بدورها الحقيقي بعيداً عن الدور الإعلامي الذي يشكل غالبية أخبار الصحف المركزية". واستبعد الذيابي أن يكون النقل الجوي مشكلة في وصول الصحف السعودية إلى مدن المملكة، وقال:"دخلت الأجواء السعودية أكثر من شركة نقل جوية، إضافة إلى الخطوط السعودية". وأشار إلى أن مكان طباعة الصحف لا يمثل مشكلة،"وبإمكان رجال الأعمال في المناطق إنشاء مطابع للصحف في تلك المناطق، وستقوم الصحف بتوقيع عقود مع تلك المطابع". ورأى أن أكبر من تعانيه الصحافة السعودية هو الشح الصحافي، وافتقاد العديد من الكوادر الصحافية للمهنية والحرفية، وقال:"هناك صحافيون يمتلكون تفكيراً محدوداً في تناول هموم المجتمع وبنائه بشكل متكامل". ولفت إلى أن الحل في توفير التدريب في مؤسسات صحافية قادرة على بناء الإنسان،"وتوفير التدريب اللازم لتلك الفئة من الصحافيين". مبدياً إعجابه بتوجه السعوديين في اقتناء الكتب من معارض الكتب العالمية، في الرياض وبرلين وأبوظبي والقاهرة،"وهم قدموا إلى تلك المدن لتطوير أدواتهم وذواتهم". وشدد على أن الصحافة الالكترونية لا تمثل خطراً على الصحافة الورقية،"على الأقل في الثلاثين عاماً المقبلة". وقال إن صحيفة واحدة في اليابان توزع نحو 7 ملايين نسخة ورقية في اليوم،"على رغم أن اليابانيين هم أهل التقنية والتقدم الالكتروني". وبيّن أن صحافة الأقاليم تعني الاهتمام بالمنطقة التي تصدر منها الصحيفة،"مع ضرورة التزامها بضوابط معينة، وحمّل الذيابي مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية مسؤولية"طغيان"العصبية القبلية، مطالباً بأن يقدم الناس ما لديهم بضوابط معينة. غياب الصحف سبب تأخر التنمية إلى ذلك، تركزت معظم مداخلات الحاضرين إلى الندوة، التي أدارها نواف الراشد، على ضرورة اهتمام الصحف المحلية بأخبار المنطقة، وبإيجاد ملحق متخصص عن المنطقة في تلك الصحف. وطالب رئيس النادي الأدبي في منطقة الجوف الأديب عبدالرحمن الدرعان الصحف بأن"تحوّل"الصحف التي تواجه تعثراً في إصدارها، أو تلك التي تعاني من المنافسة في منطقة واحدة، إلى مناطق لا توجد فيها صحف، مثل منطقة الجوف. وقال رئيس تحرير مجلة"الجوبة"الثقافية إبراهيم الحميد، إن تراجع اهتمام الصحف المحلية بالمناطق الإقليمية والبعيدة كمنطقة الجوف، أدى إلى تراجع أرقام التوزيع،"على رغم زيادة عدد السكان وزيادة نسبة المتعلمين، نتيجة لوجود المنافسة التي أتاحتها شبكة الانترنت لها بوسائلها المختلفة للتعبير". ولفت إلى أن قصور الصحافة المحلية عن تلبية الطموحات التي علقها عليها سكان المناطق التي لا توجد بها صحافة، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المراكز والمدن الكبرى مثل منطقة الجوف، أدى إلى فقدانها فرصاً كبيرة للتنمية،"وعانت من قصور واضح فيها، ولم تصل الصورة الحقيقية لمستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لولي الأمر، ولمتخذي القرار". واعتبر الكاتب الصحافي فايز الشراري أن ضيق المساحات التي يتم فردها لمراسلي تلك المناطق، إضافة إلى تأخر وصول الصحف إليها، سبباً في عدم تحمس القراء والمسؤولين في تلك المناطق للاطلاع على الصحف والتفاعل معها.