الرحلة من مخيمات منى إلى جسر"الجمرات"، مع انسيابية حركتها، لا يمكن وصفها إلا ب"الشاقة"، على رغم أن المسافة لا تتجاوز أحياناً مئات الأمتار. أجساد الرجال والنساء مبللة بالعرق وتتزاحم في مسارات عدة، يصل عرض الواحد منها إلى 30 متراً. ثمة من يلبي ويهلل وآخرون يرددون وراءه. فيما يسيطر الخوف على وجوه نساء ورجال يخشون ألا يتجاوزوا رمي الجمرات بسلام. تختلط أصوات الحجيج بأصوات مروحيات تراقب من السماء. فيما رجال الأمن يقاتلون على الأرض لضبط إيقاع المسيرة، فأي توقف أو افتراش للراحة ممنوع"لأنه قد يهدد سلامة الحجاج". عند الوصول إلى جسر الجمرات يلتحم القادمون من مسارين على الأقل. هنا يشتد الزحام وينفرج قليلاً فور الدخول إلى ساحة الجمرات. بعد رحلة تصل مدتها أحياناً إلى ساعتين، يكون الحجاج في مواجهة الجمرات الثلاث، حيث يشتد الزحام والتدافع. في هذه الأثناء، لا غرابة في مشاهدة نسوة يبكين من شدة الخوف، فيما يحيط بهن أقاربهن من الرجال. على الطرف الآخر، تدخل حشود الحجيج الزحام. هناك من يضطر لدفع غيره للوصول إلى أقرب نقطة من الشاخص. الخروج من وسط"الكتل البشرية"غالباً ما يصاحبه إنهاك شديد وجسم يبلله العرق. الانتهاء من رمي الجمرات بالنسبة إلى الحجاج يعني إزاحة حمل ثقيل ومشقة تكاد تكون الأكبر على مستوى النسك. على مسافة قريبة من مخرج"الجمرات"تنتشر"أكشاك كبيرة"، داخلها حلاقون يجتهدون للخلاص من"تبييض الرؤوس". لكن الزحام الشديد عليهم يدفع بعض الحجاج إلى"الحلاقة الذاتية". يتوزعون على أطراف الطريق ويبدأون في حلق رؤوس بعضهم بعضاً. حلاقة الرأس لا تعني انتهاء الرحلة"الشاقة"فهناك طريق العودة. في الغالب يكون مزدحماً جداً إلى مقر المخيمات. بعض الحجاج يختارون"الراحة"بعد الحلاقة، لذا يقصدون مطاعم تنتشر قريباً من الجسر ويشترون وجبات، ويتناولونها على جانب الطريق. وبعضهم لا يتورع من ترك بقايا الأكل ملقاة على الأرض. في طريق العودة، تكون مشاهدة عجوز تجاهد لتستطيع الوقوف على قدميها أمراً طبيعياً. وفي هذه الحالات يتدخل رجال الأمن، ويسمحون لهذه العجوز ومن يمر بالظروف نفسها بالاستفادة من مسارات"الطوارئ الخالية". هذه المسارات يكون المشي فيها أسهل بكثير من الطرق الأخرى التي تتصادم فيها الأجساد ولا يمكن استنشاق هواء نظيف داخلها.