أعتقد أن أهم وأخطر قضية تواجه الفلسطينيين الآن هي الفلسطينيون أنفسهم، فهم في حاجة بطريقة أو بأخرى إلى التصالح أولاً مع أنفسهم، ومن ثم الانطلاق خارجياً لطلب مساعدة الأشقاء من حولهم، فالإخوة في فلسطين يتعاطون مع القضية الفلسطينية على أنها كعكة يريدون اقتسامها من منطلق أناني بحت لكل طرف من أطراف النزاع الداخلي، فالحمساويون يريدونها"حمساوية"والفتحيون يريدونها"فتحاوية"، وما بين الاثنين فصائل على أتم الاستعداد لحسم ورقة الخلاف بين الطرفين وقت الحاجة ولصالحهم أيضاً، ثم بعد ذلك تأتي فلسطين الوطن والتاريخ والشعب والأرض والحدود. مشكلة الأشقاء في فلسطين تبدأ ربما منذ قمة الرباط في 1974 ميلادي، حين تم الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل رسمي للشعب الفلسطيني وحتى وفاة عرفات في 2004، فكل فصيل من الفصائل يطمح إلى أن يعيد القضية إلى نقطة الصفر أملاً في أن يحظى بتأييد شعبي ورسمي على غرار التأييد الذي حصلت عليه منظمة التحرير، متجاهلين أن الهدف الرئيس من وراء الاعتراف بمنظمة التحرير، كان توحيد الفصائل الفلسطينية المختلفة وتحويل ورقة المواجهة بين اسرائيل والعرب إلى يد الفلسطينيين أنفسهم، حتى لا يصبحوا أداة مسلوبة الإرادة في يد أية قوى أو دولة لها أجندتها الخاصة التي ربما جاءت على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو ما يسعى الدور السعودي إلى تجنيب الأشقاء الفلسطينيين من الوقوع فيه، ليتجلى هذا الدور قوياً في المساعدات السعودية السياسية، فقد وظفت المملكة ديبلوماسيتها على مختلف مراحل سنواتها لخدمة الفلسطينيين والدفاع والذود عنهم بكل ما تمتلك من أوراق ضغط ونفوذ على الساحة الدولية أو المحلية، وكان الهدف الواضح والرئيس في أي تحرك سعودي تجاه الأشقاء هو التقاء الأطراف الفلسطينية كافة والاتفاق على أمر واحد هو نبذ الخلافات الداخلية، والعمل بشكل أكثر إخلاصاً لصالح القضية الفلسطينية نفسها، وليس لصالح أجندات دولية تم زرعها بشيء من الخبث في ما بينهم لاستغلال فئة على حساب أخرى، أو للضغط على دول بعينها عبر التهديد بأن أوراق القضية يمكن قلبها بين لحظة وأخرى. إن الأشقاء في فلسطين، ودون تحديد فئة على حساب أخرى، أو تغليب طرف لصالح آخر، يتناسون عامدين أن منظور التعاطي مع الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني اختلف، خصوصاً على المستوى الإعلامي العربي، فلم يعد سراً الآن القدرة على قراءة ما بين السطور في الشعار الذي يرفعه زعيم هذا الفصيل أو ذاك، وبالتالي أصبحت عملية تمرير أن ما يقوم به هذا أو ذاك هو لصالح فلسطين أولاً تواجه صعوبة في قبولها أو التسليم بمطلق صحتها، فجميعنا يعرف أن ما يقوله"زيد"إنما يقصد به الولاء للإيرانيين، وأن ما يقوله"عمرو"يقصد به الضغط لكسب المزيد من الدعم المادي واللوجستي لتشكيله أو فصيله، وغابت القضية بألم فادح بين هذه التكتيكات والتربيطات السياسية العليا بينهم كفلسطينيين وبين أنفسهم من جهة، وبينهم وبين غيرهم من الدول العربية، خصوصاً ما تسمى بدول المواجهة من جهة أخرى، ليدفع الثمن في الأخير هذا الفلسطيني المسكين المغيب عن أرض الواقع والواهم أن قضيته تشهد بطريقة أو بأخرى تخاذلاً عربياً في نصرتها أو دعمها، على رغم أن الحقيقة على العكس من ذلك تماماً. القضية الفلسطينية، ومنذ أن بدأت تتشكل ملامحها، والسعودية تقف وراء دعمها قولاً وفعلاً منذ المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، مروراً بكل الملوك الذين تعاقبوا عليها حتى الآن، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت بأن الرغبة السعودية في حل الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية ربما تفوق بطريقة أو بأخرى رغبة بعض الأشقاء في فلسطين في حل النزاع في ما بينهم وبين أنفسهم، حتى على المستوى الشعبي لم يتوان أو يتأخر المواطن السعودي على اختلاف مستواه الفكري والثقافي ووعيه السياسي في دعم شقيقه الفلسطيني في أية مرحلة من مراحل قضيته التي يعدها السعودي قضيته الأولى، لذلك فمن حقنا كسعوديين أن نسخر من أي تصريح يصدر من أي فصيل فلسطيني يشكك في الدور الذي نقدمه، أو في إظهار عكس ما نقوم به ونتحمله في سبيل القضية الفلسطينية... وقد صدق قول القائل"ازرع الجميل في أهله وفي غير أهله... فإن لاقى أهله فهو أهله وإن لم يلاقِ أهله فأنت أهله". [email protected]