تتعالى صيحات كثيرة من بعض المنتسبين إلى الإسلام يدعون فيها إلى تحويل موسم الحج إلى براءة من المشركين، ويحاولون من خلالها إقناع بعض أتباعهم بهذا الأمر، مصورين للناس أن ما يجري من الحجاج ليس الصورة الحقيقية للحج ويحاولون التصوير لأتباعهم أن الحج لا يكتمل إلا بالمظاهرات ورفع الصور، وإيجاد الإرباك والفوضى في المشاعر وكل ذلك يجري بزعم البراءة من المشركين. ونحن نقول لهؤلاء لعلكم لا تميزون الشرك الحقيقي ولا تعرفون التوحيد الحقيقي، فالحج كله توحيد وبراءة من الشرك مع الله، فالحاج بمجرد أن يلبس إحرامه وهو يعلنها مدوية: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك نعم إنها التلبية يعلن فيها المسلم توحيده لله، وتلبية لأجل الله وابتغاء وجه الله، وبراءة من الشرك معه، كما يعلن أنه لا يستحق الحمد إلا الله فهو رب النعمة، وهو وليها، وهو وحده المنعم المتكرم على العباد فكل النعم منه وحده لا شريك له في ذلك، وخاتمة التلبية لا شريك لك تأكيد لما بدأت به التلبية من توحيد لله. إن الوقوف في عرفة طلباً لرحمة الله وحده وخضوعاً لله وحده، هو التجمع الشرعي في موقف عرفة وهو التجمع الذي شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو التجمع الذي يبرأ من المشركين ومن المبتدعين، وهو تجمع الحج الحقيقي الذي عرفته الأمة منذ 14 قرناً ولم تعرف غيره، أما أن يأتي من يدعو لتجمع آخر في الحج غير ما شرعه الله ورسوله من تجمع عرفة ومنى ومزدلفة، فنقول له إن الدين كمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنها القرآن في حجة الوداع حين تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً 3 المائدة، نعم لا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً 40 الأحزاب. فليس لأحد من الناس أن يشرع تجمعاً أو تجمهراً في الحج وهو شعيرة من شعائر الإسلام سوى ما شرعه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يترك لأحد مجالاً فأيام الحج محدودة، وقد رتبت شعائرها بدقة وسارت عليها الأمة قروناً عديدة ولسنا في حاجة لمن يزعم أن حج الأمة خلال القرون الماضية كان ناقصاً وأنه جاء ليذكر أناساً بما نسوه لقرون عدة. إن البراءة من المشركين يجب أن تكون في الأماكن والبلاد التي بنى أصحابها على قبور زعمائهم الأضرحة، التي تزار وتعبد من دون الله ويزورهم عشرات الآلاف يومياً باسم التبرك والتعبد ولا يجدون من ينهاهم عن ذلك، بل يجدون من دعوا أنفسهم بآيات الله وبحجة الله وبمولى الله زوراً وبهتاناً يجدون من هؤلاء من يشجعهم على التبرك بقبور البشر ودعائهم من دونه الله، إن أمثال هؤلاء من انغمسوا في الشرك إلى الحضيض، يجب أن يتطهروا من الشرك أولاً ويتعلموا التوحيد كما يجب أن يطهروا بلادهم من الوثنية، ثم ليتحدثوا عن البراءة من المشركين. إن من نسي أنه عبد فقير لله وزعم أنه حجة له أو آية لله ودعي له بذلك في المنابر والإذاعات وخاطبه الناس بذلك وهو يسمع ويعي ولا يحرك شيئاً فيجب البراءة منه قبل كل شيء، فهو قد ترفع عن العبودية وتكبر على الخلق ووضع نفسه في منزلة غير المنزلة التي أنزله الله إياها فأين التوحيد وأين حقيقة الخضوع لله والتواضع له وأين البراءة الحقيقية من المشركين. اني أسأل هؤلاء وأمثالهم ممن يحملون هذه الدعوة هل البراءة من المشركين تكون برفع صور زعامات بشرية في موسم الحج، الذي ينبغي فيه توحيد الله ورفع شعار لا إله إلا الله وحده لا شريك له؟ إن تقديسكم لتلك الزعامات وصل إلى حدّ الشرك فهل تريدون أن تدخلوا الناس معكم في هذا التقديس، إنه لا يجوز في موسم الحج ذكر غير الله وعليكم أن تمعنوا النظر في صيغة التلبية التي أخذتها الأمة عن رسولها صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلنا من الموحدين لله البريئين من المشركين والمبتدعين، واجعلنا ممن يحجون على منهج سيد المرسلين، والله المستعان وعليه وحده التكلان. عبدالعزيز بن إبراهيم العمري الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا