جرَتْ العادة وككلّ سنة، بعد اختتام أعمال مؤتمر"فكر"، أن أتّخذ وقفة مع الذات، أراجع فيها مدوّناتي، وأستجمع أوراقي وأفكاري، كَمَنْ اجتاحته عاصفة فكريّة، ويحتاج بعدها إلى لملمة شتات ما بعثرته! واسمحوا لي هذه المرّة، وأنا مسافر في الطائرة وفي طريق العودة من القاهرة، بعد الانتهاء من انعقاد أعمال المؤتمر السنوي السابع لمؤسّسة الفكر العربي،"فكر 7"، والذي تكلّل ?والحمدلله - بالنجاح، وخرج منه معظم المشاركين، محمّلين بأفكارٍ جديدةٍ، إذ تنوّعت الآراء والنقاشات، وقيل ما كان متوقّعاً وما لم يكن في الحُسبان. فكان منه نقد الذات، ورفض الواقع، والتفاؤل بالمستقبل العربي، والحوار ما بين المفكّرين، والتحدّي ما بين التربويين، ونشوة الشباب... وقد شهد كلّ من البهو الكبير، والصالات الفخمة، والمطاعم المتنوّعة في فندق سيتي ستارز في القاهرة، على جميع هذه الآراء المتنوّعة والمناقشات الصريحة. وكأحد جنود مؤتمر الفكر، أودّ واسمحوا لي أن أنقلَ لكم بعض قصص"الحرب"، التي جرت من خلف الكواليس، وأن أهديَ الميداليات والأوسمة الذهبية، لجنود خالد الفيصل، الذين قادوا هذه الحرب من أجل الفكر، محطّمين الحواجز قي سبيل نهضة الأمة العربية. فإنّ هذه التظاهرة الثقافيّة الفكريّة الحضاريّة، ليست وليدة مجرّد عملٍ عشوائيّ، بل هي نتاج عمل جبّار ومجهود كثيف، كان يحدث من خلف الكواليس، ويقوم به فريق عمل، يعمل ليلاً ونهاراً، على عديد أيام السنة، من أجل الإعداد لمؤتمر الفكر القادم. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس اللجنة التنفيذيّة للمؤتمر، الأمير بندر بن خالد الفيصل، قام بجمع أعضاء فريق عمل مؤتمر"فكر"، في صباح اليوم التالي على نهاية المؤتمر، إذ شكرهم على المجهود الذي بذلوه، مبدياً بعض الملاحظات ? التي تقبّلها أعضاء الفريق برحابة صدر - ومثنياً على العديد من النجاحات والإنجازات. وطويت صفحة"فكر 7"، لتُفتح صفحة جديدة تحت عنوانٍ كبير"فكر 8". ورغم أنّه لا يزال هناك الكثير من المسائل العالقة والمتعلّقة بمؤتمر"فكر 7"، إلاّ أنّه قد تمّ اتخاذ الخطوات التحضيرية الأولى ل"فكر 8"، من تحديد - ولو بشكل مبدئيّ - زمان ومكان انعقاد المؤتمر القادم"فكر 8". هذا وسيُعقد الاجتماع القادم في مدّة لا تتعدّى الأسبوعين، للإعلان عن مقترحات لعنوان المؤتمر القادم، والخطوات التدريجيّة لتنفيذ الأعمال. وربّما القليل من الناس، يعرفون أن تمّ المباشرة في وضع الأسس الأولى لمؤتمر"فكر 10"، والذي نتوقّع له أن يكون علامة فارقةً ونقطة تحولٍ في مؤتمرات الفكر. هذا المؤتمر هو بحق مبادرة تضامنية بين المال لدعم الفكر. ودعوني أسرد لكم بعض القصص والأسماء من خلف الكواليس لبعض الأبطال من أهل الفكر والمال، ابتداءً بعبدالرحمن الشربتلي، أحد أعضاء مجلس الأمناء ومن مؤسّسي مؤسسة الفكر العربي، ورجل أعمال ناجح. ولن أستأذنه في ذكر اسمه في هذا المقال، لعِلمي المسبق أنّه لن يرضَى! فهو يحبّذ العمل بصمت، ويتابع كل شاردة وواردة، صغيرة أو كبيرة. فكان يسابق الموظفين في الفندق، ويتنقّل من مكان إلى آخر متّكئاً على عصاه. ليس هذا فحسب، بل كان يتّصل بي مرات عدّة في اليوم ليسأل عن سير الاستعدادات. كما أنّه لم يبخلَ بماله أو وقته وصحتّه في سبيل إنجاح المؤتمر. فكان حريصاً على الترحيب بالضيوف، ومتابعة الجلسات... نعم إنّه مثال رائع لرجل أعمال ناجح، وهب وقته وماله لنهضة أمتّه العربية. والمثال الآخر لرجل الفكر والموسوعة المتحرّكة والشخصيّة الجذابة والقائدة التي تجمع بين خفّة الدم وجدّية العمل، وكرم الأخلاق التي ندُر وجودها، هو محمد الطحلاوي، الذي أعتزّ بصداقتة، وتشرّفت بالعمل إلى جانبه، إذ كان هو مدير البرنامج ل"فكر 7". وقد حرص على التواصل مع المتحدثين وتقديم الجلسات والحثّ على احترام الأوقات والتقيّد بها. فكان مثل محور الساعة السويسرية، يحرّك عقاربها في تزامن وتناسق محكم. ولا أنسى عمر باوزير الذي اقتطع أياماً من إجازته السنوية، وهو يعمل في شركة أرامكو السعوديّة، ليتطوّع في تنظيم المؤتمر، رافضاً حتّى أن يأخذ المكافأة الرمزية التي تُصرف عادةً، ويستعمل من ماله الخاص عند النقص أو الحاجة، ويقول لي مازحاً"شايف ايش تقولون عن الحضارمة"؟ فشكراً يا أخ عمر، أنت مثال الأخلاق والأمانة والكرم. وأيضاً هناك أسامة أبو قطي، الذي كان ينام على الكرسي عند الاستقبال، ليتأكّد من توزيع الغرف في الفندق وراحة المشاركين. أمّا جورج عقل، فوصل ليله بنهاره، ليُدخل البضائع التي شُحنت، التي ما كان ليتمّ المؤتمر بنجاح لو لم يتمّ تخليص معاملاتها المعقّدة لدى الجمارك. ومجاهد الفكر العربي، السيّد توفيق نايف، المسؤول عن تسجيل الحضور، الذي حرص على تزويد المؤتمرين بالمعلومات كافّة عن المؤتمر بمجرّد وصولهم وتسجيلهم. وما كان الشباب ليزيّنوا المؤتمر لولا جهود الآنسة زينة كرامة، منسقة برنامج الشباب، التي رتّبت سفرهو وحجوزاتهم. وهناك أيضاً عماد سالم والجهد الكبير الذي قام به للتنسيق مع الأمانة العامة والمسؤولين المصريين. ومساعدتي مايا بطرس التي تحمّلت الكثير عني، وحرصت على التواصل مع المتحدثين والتنسيق مع الموردين. وما كان الناس تمكنوا من تتبع وقائع المؤتمر لولا المسؤول الإعلامي محمد جابر، الذي أخرج النشرة الإعلامية اليومية التي لاقت نجاحاً كبيراً، وزوّدت المهتمّين بالمعلومات كافّة عن المؤتمر. وهناك من الأبطال من خلف الكواليس عدد كبير من موظفي الفكر العربي لا يتّسع المقال لذكرهم، ولكن أتمنّى من المخرج السعودي نضال الدمشقي، الذي كان حاضراً بكاميرته من خلف الكواليس، أن يظهرهم، وأن يرى فيلمه"قصّة مؤتمر"النور في القريب العاجل. وتلقيت بعد المؤتمر العديد من الاتصالات والرسائل تبارك بنجاح المؤتمر. وأنا أشكر من فعل مباركاً أو منتقداً. فقد كانت هناك بعض الانتقادات لهذا العمل، تعدّد أسباب هذا القصور، ولكن نحن نتقبل الانتقاد برحابة وسعة صدر، ونعترف أنّه ربما كان يوجد تقصير منا، أو ربما خارج عن إرادتنا، والله أعلم أننا أشد نقداً لأنفسنا من الغير مهما قسو علينا، ولن نحاول إيجاد الأعذار بل سنعمل من الآن لتجاوز هذه العقبات في مؤتمر"فكر 8"، إذ نستشعر حجم المسؤولية والتوقّعات. والشكر الأخير للرعاة وغيرهم ممّن حضروا المؤتمر، سواء كانوا متحدثين، أو مفكرين، أو مثقفين، أو رجال أعمال وإعلاميين، وتربويين وشباب. على أمل اللقاء في"فكر 8". * المدير التنفيذي لمؤتمرات"فكر" [email protected]