على رغم تأكيده أن أي عمل شريف، يدر دخلاً حلالاً،"ليس عيباً"، إلا أن الشاب علي عبد الرحمن يستبعد أن يكون في يوم من الأيام حلاقاً، يمسك في يده اليمنى مقصاً، وفي اليسرى مشطاً، ويطوف حول شخص جالس أمامه، يحلق له شعره، أو يهذب لحيته. ولا ينكر علي أن هذه المهنة"مطلوبة في أي مجتمع"، إلا أنه يرفض مجرد التفكير في امتهانها"لا أميل إليها، ولا أستسيغها بالمرة، ولا أعرف السبب بالضبط، ولكن ربما لأنها تتعامل مع بشرة الإنسان، بكل ما فيها من تعرجات وثنايا، وربما أمراض وتقرحات، ما يجعلني أشمئز منها"، مضيفاً"لو انني أمتهن هذه المهنة، وذهبت لخطبة فتاة ما، وعلمت أنني حلاق، لرفضت، وأهلها، طلبي على الفور، ولن ألومهم في رفضهم لي، لأنني سأفعل الأمر نفسه مع أختي، إذا ما تقدم لها حلاق، طالباً الاقتران بها". وأعاد شبان سعوديون صوغ ثقافتهم تجاه العمل في المهن المختلفة، التي تقبلوها بصدر رحب، بغية الحصول على أي وظيفة، تنقلهم من فئة"العاطلين عن العمل"، إلى فئة"العاملين". بيد أن هناك شبه إجماع على استثناء"الحلاقة"من بين المهن التي أقبلوا عليها وانخرطوا فيها في السنوات الأخيرة، بعد أن كانوا يرفضونها، مثل بيع الخضراوات، والتجارة في الأغنام، وتحصيل الديون، والعمل في المطاعم والمخابز والبوفيهات، وهي مهن سارعت وزارة العمل إلى سعودة بعضها، لفتح المجال أمام الشباب السعودي للعمل فيها، من دون منافسة من العامل الأجنبي. وعدّ مستثمرون مهنة الحلاقة من المهن التي تدر"أرباحاً عالية"، مقارتة بمصروفاتها التي تكاد تكون"معدومة في بعض الصوالين". كما انها مهنة"لا تصاب بالكساد أو التراجع، وليست موسيمية، ويستمر الاقبال عليها طوال العام، ومن الجميع". ولا يمانع رضا الحسين، من الوقوف على ناصية شارع حيه، إلى جانب أقفاص الفاكهة والخضراوات، ليبيع للناس ما يحتاجون إليه من هذه الأصناف، إلا أنه أكد رفضه امتهان الحلاقة"ولو كان الدخل من هذه المهنة أضعاف ما أحصل عليه في مهن أخرى"، بحسب قوله، مضيفاً"أعرف شباناً يستثمرون في هذه المهنة، يقومون باستئجار محل حلاقة، وتجهيزه بالمعدات، واستقدام عمال أجانب للعمل فيه، بعد اتفاق معين على تقسيم الدخل بين هؤلاء المستثمرين والعمال"، مشيراً إلى أن"هؤلاء المستثمرين لم يخطر في بالهم أن يمتهنوا هذه المهنة، أو مجرد الجلوس في محالهم لإدارتها، وإنما تركوا الأمر كله للعمال الأجانب فيه". ويدعو الحسين إلى تفعيل وسائل توعية،"تقنع المجتمع السعودي، وشبانه بالإقبال على مهنة الحلاقة، والانفتاح عليها، فعزوفي وشبان كثر عن هذه المهنة، ربما يعود إلى عدم الإقبال عليها من جانب السعوديين، فلم أجد طوال حياتي حلاقاً سعودياً يعمل بيديه، وإذا وجدت عشرات الشبان يقبلون على هذه المهنة، فسأقبل عليها أنا أيضاً". أجانب مطمئنون على مهنتهم إلى ذلك، افتتحت معاهد التدريب المهني في عدد من المناطق، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أقساماً لتدريب الشبان السعوديين على الحلاقة، والعمل في هذا المجال بعد تخرجهم في تلك المعاهد. ومن بينها معهد التدريب المهني في الأحساء، الذي احتفى قبل عامين بتخريج أول دفعة من الشبان السعوديين الحلاقين. وعلى رغم ذلك، فان الحلاق الباكستاني شوكت عمران، لا يشعر بالقلق على مستقبل مهنته، ويتوقع أن لا تصل إليها يد السعودة في القريب العاجل. ويقول:"الشاب السعودي بدأ في اقتحام مجالات عمل جديدة عليه، وحقق فيها نجاحاً كبيراً بسبب الحاجة إلى وظائف تعينه على توفير دخل، لتأمين حاجاته، ولكن مهنة الحلاقة لم تنجح في اجتذابه بعد"، مشيراً إلى أنه يعتقد أن"الشاب السعودي يحتقر هذه المهنة، ويرى أنها لا تناسبه، لذلك يهرب منها ولا يفكر فيها". عمران الذي امتهن الحلاقة قبل نحو 14 عاماً في السعودية، قرر أن يبحث عن تأشيرة لاستقدام ابنه، لمساعدته في هذه المهنة"وزارة العمل أقرت سعودة مهن عدة، وهذه المهن كان الأجانب يعملون فيها لفترات طويلة، لا ينافسهم فيها أحد، مثل أسواق الخضراوات والفاكهة والأغنام، وأعتقد أن السعودة ستأتي على مهن أخرى في القريب العاجل، ولكن لدي إحساساً أن مهنة الحلاقة، سيكون ترتيبها في آخر قائمة المهن التي ستقدم وزارة العمل على سعودتها"، موضحاً أنه لهذا السبب "سأعمل على استقدام ابني للعمل في هذه المهنة، بعد أن أعلمه فنياتها وأسرارها".