تبتهج جارتي الخمسينية المسكينة فرحة بأيامها القادمة، لأنها بدأت تخرج بشكل شبه يومي، وينتابها شعور غريب بأنها المرأة السعودية الوحيدة التي تحررت بقدرة قادر من"قيود معينة"وبقوة النظام، وصارت عنصر قوة كالرجل، لذا هي حالة استثناء وهذا يكفيها بالطبع، لا تنفك تلتصق بزوجها صباح مساء مصدرة الأوامر، ومتابعة الخطوات خطوة بخطوة، فضلاً عن فرضها الإيقاع المستقل الذي أتى متأخراً ليس لشيء إلا لأن الظروف حتمت ذلك... زوجها الستيني على - مقعد جانبي ? مع اختلاف الأمكنة مضطر لتحمل زوجة بمثل هذه المواصفات، التي سلب العمر المتأخر بريقها القديم، ويندب حظه العاثر الذي قاده إلى وظيفة متعبة لم يجد - لظروفه - الا أن يقبلها حتى وان اضطره الأمر لان ترافقه بذات البريق القديم في الحل والترحال! تداعيات هذه الصحبة المتأخرة بدأت حين وجد وظيفة مقلقة"لزوجته في المقام الأول"لفتحها أكثر من باب، واعتقادها بأنها توسع أعين الرجال أكثر من اللازم، وسط مجتمع لا يعرف - اللازم - وينظر بشكل مائل إن ارتبط الأمر بامرأة، الوظيفة لم تكن مكتبية مكيفة، إنما ساخنة مرهقة مسماها"نقل معلمات"من مدينة حالمة الملامح إلى قرية أكثر حلماً وأقل ضجيجاً، الوظيفة هي انطلاقته المقبلة لرزق جديد بعد سيارة خصوصية صغيرة ابتاعها، لأنها لم تدم طويلاً مع مخالفات تنهال عليه أكثر من عروض المعلمات لناقل غير رسمي، لم يطلبوا منه للنقل إلا أن يكون مصطحباً معه"محرماً"وهو الأب لفتيات هن في سن من ينقلهن! ولأن لقمة العيش صعبة اضطر إلى أن يفاتح زوجته في أن ترافقه وان ضاقت معها الأحلام، طمعاً في ريالات قليلة يحصل عليها من هؤلاء المعلمات ليصبح لزاماً عليه أن يقسم الدخل الشهري الوحيد على شخصين بالاشتراك مع الزوجة التي تتظاهر بالإرهاق والتعب، والاستيقاظ المبكر، ومسافة الطريق، وان حدث أن اختلفا على أمر طرقت ذاكرته بأن وجودها في خريطته الحياتية كان له الدور بعد الله في الوظيفة أولاً، ومن ثم الحصيلة المادية. "ناقل بمحرم"هي الوظيفة الوحيدة التي يتشارك فيها الزوجان الدخل، بقناعة أو باختلاف، فالحاسم في هذه المسألة هو البحث عن مصدر معيشة وحيد، أو إضافي حتى يتسنى معه احتمال الرقي بحال الأسرة على تعدد الأفراد، ماذا يمكن أن يحدث لو كان الرجل المسكين له زوجة لا تقوى على مسايرته، أو ملزمة بأدوار منزلية كبيرة كرعاية الأطفال، ومتابعة شؤون الأسرة؟ فهل يعني ذلك أن الوظيفة ستنتقل حصريتها إلى من تتنازل حَرَمُه للمرافقة؟ سيعاني أكثر من كان له زوجتان، لأنه سيكون أمام خيارات ثلاثة: إما أن يستضيفهما معه في سيارة النقل المتهالكة، وبهذا يخسر مقعداً لمعلمة، وسيقل الدخل، أو يناوب بينهما، وسيتعب من جدولة ذلك، لأن أيام العمل الرسمي فردية ولست زوجية، والثالث أن يترك الوظيفة لإنسان يفوقه قدرات في أن يكون لديه محرم متفرغة! لم نستطع إلى الآن أن نزرع الثقة في هؤلاء الباحثين عن اللقمة، ولم نحرك المقتدرين ورجال الأعمال لإيجاد وسيلة نقل مثالية لا متهالكة، نقدمها لهن بجزء يسير من الدخل الشهري، ولازلنا نشك في أدق التفاصيل حين يتعلق الأمر بامرأة، مجتمع يشك في مواطن يبحث عن رزقه، ويمنح الثقة لمن يحتاج منا للشك والتدقيق والمراجعة! على كل من قست عليه الحياة - لأن يكون سائقاً أو ناقل معلمات - البحث عن"محرمة"له! [email protected]