إشكالية مثيرة للدهشة تلك المتعلقة بعدم بروز أسماء جديدة وقوية في مجال الكتابة الصحافية اليومية، فما زالت كثير من الصحف اليومية المحلية تعاني من افتقارها إلى اسم كاتب يمكن تقديمه ووصفه على أنه"مميز"من بين عشرات الكتّاب الزاخرة بهم صفحاتها وزواياها، وربما تعود المشكلة في الأساس وبشكل كبير إلى رؤية الكتّاب أنفسهم للقارئ، فهم يدورون في فلك متناوب، وكأن ثمة اتفاقاً غير معلن بين بعضهم البعض، للحد الذي وصل في أحيان كثيرة إلى توقع ما الذي سيطرحه الكاتب الفلاني في مقالته القادمة، وما الذي سيقوله، بل إن البعض يدخل في ما يشبه التحدي ويصل إلى درجة الادعاء بقدرته على تحديد الكلمات والمرادفات التي سيحرص هذا الكاتب أو ذاك على توظيفها واستخدامها في مقاله القادم، وكأنها ثوابت مسلم بها لا يمكنه تجاوزها أو تجديدها او حتى تطويرها، تنحصر غالبية المشاكل التي يتناولها كتابنا"اليوميون"في مشكلة أزمة المياه في جدة، أو أزمة الازدحام في شوارعنا، أو أزمة الصحة، وجميعها على رغم أهميتها وأهمية التطرق إليها، إلا أن تكرار تناولها أوصلنا إلى حال من الملل والتشبع بمتابعتها، وبالتالي فقد الكاتب أهم عنصر من عناصر الكتابة اليومية وهو التركيز والإثارة ولفت الانتباه لحدث أو قضية أو موضوع ما... السؤال الآن هو: لماذا لا يحاول كتّابنا البروز بقضايا أخرى جديدة؟ أو حتى الابتعاد في تناولهم عن الشكل النمطي والرتيب الذي اعتاده القرّاء منهم... ربما كان هذا هو السبب بطريقة أو بأخرى في افتقارنا إلى كاتب يومي جديد يتمتع بالقوة والصلابة والاتزان في طرحه، على غرار كتّاب في صحف أخرى لدول شقيقة. لقد أحسنت بعض الصحف المحلية صنعاً بقرار استغنائها عن بعض كتّابها الذين أمضوا على صفحاتها ما يزيد على السنوات العشر، فالقارئ بحاجة إلى دماء جديدة وكتّاب جدد يتناولون الشأن المحلي أو الدولي برؤية جديدة ومختلفة، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة التشكيك في قدرات وإمكانات الكتّاب المستغنى عنهم، فعلى العكس تماماً فالمطلوب عدم الاستغناء بشكل جذري عنهم، بل من الممكن توظيفهم والاستفادة من خبراتهم في هذه القضية أو تلك، وتعيينهم كمستشارين للصحيفة، شأن كثير من الصحف الخارجية التي تتعاطى مع كتّابها بكثير من التقدير وتعدّهم جوهرتها الثمينة التي يظل بريقها قائماً، رغم ابتعادهم عن الساحة والأدلة كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها. نحن بحاجة لكتّاب حقيقيين، لا مجرد أرقام تضاف إلى الصحف تتباهى بها في ما بينها، على أن لديها عدداً أكبر من غيرها من الكتّاب"اليوميين"، نحن بحاجة لكاتب يومي قادر على التقاط الفكرة وصياغتها وإيصالها بشكل مباشر وصريح، ولسنا بحاجة لموظفين يحولون الكتابة إلى وظيفة، يحصلون منها على دخل شهري، فالعمل العام لا يمكن ربطه مباشرة بفوائد أو عوائد مالية، والكتابة اليومية على العكس من الكتابة الاسبوعية أو الدورية، عمل أكثر التصاقاً بالقارئ والشارع العام والمجتمع، وبالتالي فمن الخطأ أن يكتفي صاحبها بالتعاطي معها على أنها مجرد وظيفة، وعلى أنها تنحصر فقط في دائرة البحث عن مصدر دخل إضافي، أو تكون محاولة التفافية لتحسين وضع أو الخروج من أزمة. المقال اليومي تأثيره اكثر خطورة مما يظن البعض، فهو ترمومتر لقياس نبض الشارع وألمه وفرحه، لا الاحتيال عليه ومحاولة الاكتفاء بتمرير الوجود من أجل الوجود... وللحقيقة فقد نجح عدد من الكتّاب اليوميين"الجدد"في كثير من الصحف من انتزاع الإعجاب والتقدير من قرّائهم، لجدية ما يطرحونه وشفافيته، وكانت النتيجة الفورية هي أن معظم هؤلاء الكتّاب تحولوا وبسرعة البرق إلى نجوم، رغم حداثة تجربتهم وقلة عدد مرات تواجدهم، قياساً بغيرهم، مما يشير إلى خصوبة الجو العام لوجود كتّاب من هذه النوعية في الصحف كافة وليست صحيفة بعينها... وهو ما نأمله ككتّاب أو في الأساس كقرّاء ومتابعين. [email protected]