قصاصون وشعراء وروائيون ونقادٌ، اقتحموا مجال الكتابة الصحافية ... لا يكتبون حول هموم ثقافية وأدبية، إنما حول قضايا محلية واجتماعية، وهو ما بدا لافتا لشريحة واسعة من القراء... هنا تحقيق يجمع آراء تلتقي تارة وتختلف تارة أخرى... لم يعد انخراط الأدباء في الكتابة الصحافية، التي تأخذ الطابع الاجتماعي أو المحلي، من خلال عمود يومي أو أسبوعي أو مرات عدة في الأسبوع الواحد، يمثل ظاهرة تسترعي الانتباه. فلا تخلو اليوم مطبوعة صحافية محلية، من أديب يكتب عن تأخر مكافأة الطلبة الجامعيين، أو ينتقد التقصير في أداء مؤسسات حكومة أو أهلية، أو يعالج ظاهرة شباببة معينة، أو يعرض مشكلة انسانية لموطن أو مقيم، أو أو... إلخ. من أول وهلة بدا أن الأدباء يقتحمون مناطق"كتابية"، ليست لهم، هذه المناطق التي وسمت بميسم كتابا آخرين، يتعاطون الكتابة حول هموم يومية محلية، بأسلوب صار مع الوقت أشبه بهوية لهم ومميزا لهذه الصحيفة عن الصحيفة الأخرى، كما أصبح لهم شهرة عريضة وقراء يتناقشون في شأن ما يكتبونه، في حرص على أن لا يفوتهم مقالٌ. وهو ما صار يميزهم عن نوعية أخرى من الكتاب، تعالج هموما أخرى في صفحات مجاورة في الصحيفة نفسها. عدا كاتبا أو اثنين، نجح في اجتذاب اهتمام القارئ إلى ما يكتب، فإن أغلب هؤلاء الأدباء ظلوا بعيدا من الاهتمام، لا يحظون باحتفاء يذكر، سواء في التجمعات الثقافية أو في منتديات الإنترنت، التي تحولت إلى ترمومتر يجس من خلاله الكتاب، درجة الحرارة لوقع كتاباتهم على القراء. فهل كان هؤلاء الذين انطبعت صورهم، لا قضاياهم أو أفكارهم، في ذاكرة القارئ، يكتبون إلى قراء نخبويون؟ هل أن مقالاتهم لم تسهم فعلياً في حل بعض المشكلات التي تعرضت لها؟ وبغض النظر عن توافر الحل، هل تجيء معالجاتهم في شكل جديد أو من زاوية مختلفة، تجعل القضية، موضوع النظر، طازجة وتستدعي اهتمام المختصين؟ من جهة أخرى، يعطي كثرة الأدباء والمثقفين المنهمكين في الكتابة الصحافية انطباعا، أن الكتابة في شؤون محلية ومجتمعية، مسألة سهلة وأنه يمكن لأي أديب التعاطي مع مثل هذا النوع من المشكلات. فهل الكتابة الصحافية في شؤون محلية واجتماعية، تحتاج إلى مواصفات من نوع ما، أم أنه يمكن لأي كان التعاطى معها؟ وهل للعوائد المادية التي يجنيها، كما يتردد، بعض الكتاب، دورٌ في انتشار هذه الظاهرة بين الأدباء والمثقفين، أم أنه مجرد البحث عن وسيلة تعبير أخرى، إلى جانب الكتابة الأدبية؟ النزول إلى الشارع الكاتبة الصحافية جهير المساعد، تقول أن الأديب"قد يجيد كتابة قصة أو رواية أو قصيدة، لكن لا يستطيع أن يمارس كتابة احترافية، تنزله إلى الشارع يوميا. من الممكن للأديب أن يكتب عن هموم الجماهير مقالة واحدة فقط في الشهر، بينما الكاتب الصحافي يستطيع أن يكتب يوميا مقالا جديدا، يهتم فيه بأمور جديدة تخص القاعدة الشعبية". وتوضح المساعد"أن الأدباء انتبهوا فجأة، إلى أن النجومية في العصر الراهن، تلصق بمن يحتك بهموم الجمهور وقضاياه أكثر، سواء كان هذا النجم كاتب صحافي أو حتى فنان. هناك عصر يتغير، الكاتب الصحافي يستطيع أن يلاحق هذا التغير، في حين أن الأديب يخاف منه، لكن عندما تنبه هذا الأخير إلى أنه سوف يصبح منسيا أو بعيدا من النجومية داخل الإطار الشعبي، حاول أن يحترف الكتابة الصحفية، أي غيّر من مساره, خوفا من السقوط في النسيان". وتمضي الكاتبة الصحافية المعروفة قائلة،"عندما شعر الأديب أنه مهدد، وأن الصحافة السيارة والنت، أخذت منه الجمهور والاهتمام، بدأ يفكر بطريقة أخرى غير الكتابة الأدبية، لتأكيد حضوره في الساحة، فاحترف الكتابة الصحافية، وهو لا يجيدها مثلما يجيد كتابة الرواية أو القصة أو القصيدة أو المقالة النقدية". وتلفت إلى أن الأديب في الماضي، كان"يترفع عن الكتابة الصحافية في الشأن العام، ويعدها إنقاصا من قدره، بوصفه مهتما بالقضايا الفكرية والأدبية، لكنه اليوم يكتب في الشأن العام، وهو في هذا مقلد لما هو سائد، ويطرح نفسه كمعارض للمعارضة ليس غير. يبحث الأديب عن نقطة اختلاف، لكن لم يحدث أن قدم طرحا جديدا لمشكلة ما، استفاد منه المجتمع، وتغيرت بناء عليه الممارسات، سواء كانت الممارسات، اجتماعية أو قيادية. في مسألة توحيد المجتمع أو الموقف العام، لم يتغير شيء لمجرد أن الأدباء كتبوا عن ذلك". ركوب الموجة فيما يطرح الكاتب علي سعد الموسى،"أن من الخطأ أن يقفز أديب ما أو ناقد معروف عنه ممارسته الأدبية الواسعة، وعرفه جمهوره من خلا ل هذه الممارسات، إلى مجالات ليس له فيها معرفة جيدة، ولا يعرف كيف يطرقها". وقال أن كتابة الأدباء للمقال اليومي، هي"رغبة في ركوب الموجة الاجتماعية، لأن الجمهور ينظر دائما إلى الكاتب الصحافي الذي يهتم بقضاياه بصدق". وأكد احتياج المقال اليومي إلى قراءة كثيفة،"وإلى قدرة على تذكر هذه الصيغة القرائية في اللحظة المناسبة، وإعادة استرجاعها وتوظيفها التوظيف المناسب لخدمة الحدث. الكتابة اليومية ليست كتابة، إنها قراءة للعصر، في حين أن الأديب ينحو إلى قراءات موجهه، تخدم اتجاهاً واحدا أكثر مما هي متشعبة، تأخذ من الهم السياسي والهم الاجتماعي وغيرهما". ويشبه الكتابة الصحافية اليومية بالوقوع،"في أسر كبير، فهي تسرق عليك وقتك، وتأخذ معظم ارتباطاتك، وتجعلك يوميا أمام التزام عملي محدد، يحتاج منك إلى متابعة وإلى قراءة، كما يحتاج منك أيضا إلى قدرة على التحرير، قبل أن تأخذ القلم والمحبرة. الكتابة اليومية هي أفكار تداولها في منزلك وفي مكتبك وفي سيارتك، هي أخ بكل ما للكلمة من معنى، لشخصيتك العامة طوال اليوم، نحن ندفع ضريبة الكتابة اليومية، وهو ما لا يستطيعه الأدباء الذين يكتبون في الصحافة، عدا عبده خال". ثراء اللغة وتجديد الشكل الكاتبة الصحافية إيمان القويفلي ترى أن الأدباء،"في حاجة إلى الصحافة اليومية كما هي تحتاج إليهم. فالأديب سيفقد صلته بالناس لو اعتمد فقط على إنتاجه الأدبي. فالروائي ينشر رواية كل بضعة أعوام، لكنه ينشر مقالة أسبوعية أو حتى يومية في الصحافة. إذن قد تكون الحاجة إلى البقاء في الذاكرة العامة ودائرة الضوء، دافعا ً أساسياً إلى مباشرة الأديب كتابة المقالة المُصنفة في الشأن الاجتماعي أو المحلي". وتقول أن الكتاب الصحافيين لا يحتكرون حق الكتابة في قضايا الشأن العام، ولا يعدونها"محمية خاصة"لهم، مشيرة إلى أنها مفتوحة للتعاطي العام من قِبل القادرين،"ولا تنسى أن عددا من الأدباء العالميين والمحليين بدأوا من كتابة المقالة والتحقيق الصحافي، وقد أكسبتهم الطريقة الصحافية لغة فريدة وكثيفة". وتطرح القويفلي أن الأديب"قد يحمل بعداً جديدا ً لهذا النمط من الكتابة المقالية، سمته الرئيسية ثراء اللغة وجِدة الشكل لاحظ أن اللغة والأشكال المقالية في الصحافة السعودية رديئة جداً. في المقابل، يتميز الكتّاب الصحافيون المحترفون بتشعب علاقاتهم ومصادر معلوماتهم. وربما يتمتع الكتّاب اليوميون المحترفون بميزة إضافية هي حصانتهم ضد الملل، وضد التعب من التكرار. ألم يكتب حمود أبوطالب أخيرا ً عن الروائي عبده خال الذي كتب في عموده العكاظي متأففاً من عدم الكتابة، فردّ عليه أبو طالب:"أمداك ملّيت!". الأدباء أم الاكاديميون؟ ويطرح الكاتب خالد محمد السليمان أن كتابة الأدباء،"أهون من حال"بعض"الأكاديميين وخاصة أساتذة الجامعات، الذين هبطوا على الصحافة ب"الباراشوت"واستولوا على واجهة الصحافة!! فالأدباء على الأقل"أبناء عمومة"والصحافة لا تستغني عن إسهاماتهم، وبالتالي قد يكون انخراطهم في الكتابة اليومية عن الشأن المحلي أو الشأن العام، مهضوما أكثر من غيرهم من أهل التنظير!!". ويرى أن قلة من الأدباء،"نجحوا في ممارسة الكتابة في الشأن العام، والتصدي للهموم اليومية في المجتمع، لأنهم تمكنوا من تمييز الخيط الرفيع الذي يفصل بين الواقع والخيال، وتعاطوا مع مشكلات المجتمع اليومية المباشرة، بتجرد من التأثر الأدبي وتحرر من أدواته!!".