مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    اتحاد الغرف يطلق مبادرة قانونية للتوعية بأنظمة الاستثمار في المملكة والبرتغال    الاحتلال لا يعترف ب (الأونروا)    «الكونغرس» يختار الرئيس حال تعادل هاريس وترمب    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «حديقة السويدي» من ثقافة باكستان إلى الأسبوع اليمني    شتاء طنطورة يعود للعُلا    «الأسبوع العربي في اليونسكو».. ترسيخ المكانة الثقافية في المملكة    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    برعاية الأميرعبدالعزيز بن سعود.. انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي الرابع لعمليات الإطفاء    ليلة الحسم    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    رئيس الشورى يستقبل السفير الأمريكي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    تنوع تراثي    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    ترمب وهاريس في مهمة حصاد جمع الأصوات    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى السبت المقبل    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي        حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 150 كلجم من القات    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قال ل "الحياة" إن "الغلو" تسلل إلى مناهجنا من خلال شخص واحد معروف وهذه من الأخطاء المحورية القاتلة التي ارتكبتها وزارة التربية ويجب أن تعترف بها ! . محمد زايد يوسف : لا يجب تحويل "السلفية" إلى مذهب نتقوقع حوله ونسلّطه على رقاب الآخرين
نشر في الحياة يوم 25 - 11 - 2008

لم تكن المخلوقات على هذه الأرض إلا لسببٍ أراده الخالق من وجودها مكمّلة لبقية الآيات الكونية الأخرى في توحيده وتعظيمه وتمجيده، ويأتي في مقدم ذلك العقيدة التي يعتنقها البشر من مختلف الأجناس والألوان وعليها تكون طقوس العبادة من خلال الشعائر التي تمارسها المخلوقات، تقرّباً إلى الإله، عز وجل.
وترتكز الشعوب في توعية المجتمعات على ركيزة التعليم ونشر مبادئ توحيد الإله أولاً وتثقيف الناس في أمورهم الحياتية وما وصل إليه العلم الحديث ثانياً، ما يؤكد أن صلاح التعليم وتجديده من صلاح النشء الذي تعقد عليه الآمال في إكمال مسيرة وطنه وتنمية ترابه الذي نشأ عليه وتربى فيه ويصبح فيما بعد متفهًّما لما يدور في العالم من حوله، مساعداً في نهضة المجتمع وتقدمه ورقيّه في ظل الخصوصية التي يسير عليها ويتعامل بها من قيم وثوابت ومبادئ. ويرى الدكتور محمد زايد يوسف في حوارنا معه أن تجديد الخطاب الديني في أي مجتمع هو أساس عملية الإصلاح والبناء، بعيداً عن التعصب لمذهب معين أو فكر أحادي لا يخدم مسيرة الأمة ولا يزيد من رفعتها.
وأشار إلى أن أسباب التطرف الذي شهده العالم الإسلامي تعود بالدرجة الأولى إلى التيارات السلفية التي أصبحت تملك زمام الكلام، مؤكداً أن هناك فهماً خاطئاً لمصطلح السلفية، إذ إنها مرحلة زمنية مباركة، وليست مذهباً ولا ينبغي أن نترك أقوال الصحابة ونأخذ بأقوال علماء القرن الثامن الهجري مقارِناً طريقة التوحيد التي علّمها الرسول عليه السلام الإعرابي في جلسة واحدة.
وطريقة تعليم التوحيد للتلاميذ اليوم في ال12 سنة خلال المراحل الدراسية، وأن نصف مناهج التوحيد اليوم لا علاقة لها بالتوحيد.
وأكد أن بناء المناهج لا يتم إلا من طريق فريق عمل من المتخصصين وليس من شخص واحد رفض يوسف أن نذكر اسمه تكون لها رؤيتها وقدرتها على الخروج بتوصيات استراتيجية عدة بعيدة المدى. ويطرح يوسف في كتابه"إعادة بناء الهيكل التعليمي العام في السعودية"الصادر أخيراً 2008، جملة من الرؤى والمقترحات في نظام التعليم العام، قائلاً في مقدمته:"إن مسيرة التعليم في أي بلد من البلدان تستوجب المراجعة والتقويم لمطابقة المسار مع الهدف الذي تسعى إليه الدولة وان عدداً من المسؤولين التربويين يشتكون من أن مشاريع إصلاحهم تتحطم على صخرة الهياكل التعليمية.
ولم يفكر احدهم في إعادة بناء الهيكل التعليمي برمته، ومن هنا جاء هذا الكتاب في محاولة لتقديم بعض الرؤى والأفكار لمعالجة هذه القضية". ودار نقاشنا معه حول الخطاب الديني وقضايا التربية وما رآه من مقترحات لمخرجات التعليم وكيفية مكافحة البطالة وتقديم المرأة إلى سوق العمل من دون قيود حتى تساعد في تطور المجتمع وتقدمه ومواضيع أخرى، فكان هذا الحوار:
كيف تقرأ الخطاب الديني في السعودية؟
- إن تجديد الخطاب الديني وفكره المتشدد أساس كل عمليات الإصلاح والبناء في المملكة، ولكنه مرتبط بالأمن الفكري، فقبل إصلاح الأمة لا بد من إصلاح خطابها الديني فلو دُرس الإسلام على حقيقته بآدابه وأخلاقه وقواعد الاختلاف فيه وقبول الرأي والرأي الأخر بشكل مبسط لما حدث ما حدث في المملكة.
السلفية.. مفاهيم خاطئة
وماذا عن مصطلح السلفية؟
- هنالك فهم خاطئ في استخدام مصطلح السلفية، فالسلفية هي مرحلة زمنية مباركة وليست مذهباً إذ شهد لها الرسول عليه السلام بالخيرية في الحديث المعروف،"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته"أي القرون الثلاثة الأولى - الصحابة والتابعين وتابعي التابعين -.
ولا يجب تحويلها إلى مذهب ونتقوقع حول هذا الفكر ونستخدمه سيفاً مسلطاً على الآخرين يُخرج نحو 80 في المئة من دائرة الإسلام باستخدام مصطلحات معينة مثل السلفية وغيرها ونغمز ونلمز في عقائدهم ونَصِفهم بأوصاف لا تليق، هذا صوفي وهذا أشعري وهذا قبوري، فاستخدام مثل هذه الألفاظ يجب أن تحذف تماماً من مناهج التعليم.
يُستشهد كثيراً في المناهج الدينية بالعلاّمتين ابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - وهما من سلالة أهل السنة والجماعة... ألا ترى أن آراءهم متوافقة مع منهج الصحابة؟
- لا نستطيع أن نوازي العلماء الذين أتوا في القرن الثامن الهجري بالصحابة السلف ونترك آراءهم وأقوالهم ونتمحور حول شخصيات معينة ونصفهم بأوصاف متعددة، فمصادرنا معروفة في الإسلام القرآن وسنة الرسول عليه السلام، وما عدا ذلك فهو اجتهاد ونحن مع احترامنا لهما إلا أننا لا ننسب لهما العصمة ولا نقلدهما في أقوالهما ولا نستخدمهما أرباباً من دون الله.
مناهج التوحيد
تقول في كتابك إن نصف مناهج التوحيد لا علاقة لها بالتوحيد... كيف تفسر لنا ذلك؟
- الغرض من التوحيد هو دعوة الناس إلى الإسلام، وليس الدعوة إلى مذهب معين إذ إن التركيز على مذهب من دون آخر يعمق الخلاف ولا يقيم وحدة إسلامية ولا وطنية وقد وقف هذا التعصب للمذهب الواحد حجر عثرة في انتشار الإسلام، لأن الدعوة لم تكن خالصة للإسلام كإسلام...
فلو نظرنا إلى الوضع العام في السعودية منذ أكثر من 20 عاماً وتسلل الغلو إلى مناهجنا التعليمية خصوصاً لوجدنا أن نصف مناهج التوحيد لا علاقة لها بالتوحيد، فالمؤلفون لهذه المناهج أدخلوا فيها مواضيع لا علاقة لها بالإلوهية ولا بالأسماء والصفات وهناك اضطراب في مفاهيم الكفر ودرجاته، ومفهوم الفسق والشرك والجاهلية والجهاد والبدعة والولاء والبراء والجهاد وغيرها.
وأقحموا الدارس صغير السن في مواضيع فيها خلافات عقائدية لا شأن له بها، وهذه من الآثار الجانبية التي نعاني منها اليوم، إذ إن الطالب لديه سوء ظن في الآخرين.
وكيف ذلك؟
- لو رجعت إلى الكتاب لوجدت نماذج عدة، مثل جعل شرطين للدراسة في الخارج ? كره غير المسلمين وبغضهم وإضمار العداوة لهم - فهؤلاء عاملونا بالحسنى ودرسنا في ديارهم واستفدنا من علومهم، فكيف نضع شروطاً بهذه القسوة، وهذا المعنى لطالب صغير السن.
كما أن هناك أشياءً أخرى خلقت المكابرة العلمية لدى طلاب العلم الشرعي، إذ إن العلماء في العلوم الشرعية هم العلماء الحقيقيون بينما العلماء في العلوم الإنسانية هم عبارة عن ثلة من الجُهّال ووصفوا الحضارة الإنسانية بأنها حضارة بهيمية، وهذه أيضاً مذكورة بالنص في كتابي.
وعلق علماء أفاضل على ذلك ومنهم عمر عبدالله كامل في كتابه التحذير من المجازفة بالتكفير، وأيضاً اعتبار اليوم الوطني فسقاً ومعصية ونحن نقول حب الوطن من الإيمان.
ألا يجب أن يتعلم التلاميذ جميع ما يتعلق بأمور دينهم أولاً؟
- نعلمهم الأسس الدينية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إذ ليس من المعقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الأعرابي التوحيد في جلسة واحدة ونحن نعلم طلابنا التوحيد في اثني عشر عاماً وندخل في مادة التوحيد مواضيع لا علاقة لها بالتوحيد ونصدر أحكاماً قطعية اختلف فيها العلماء.
التصوير لازال محرماً
هلاّ ضربت لنا أمثلة على ذلك؟
- مثلاً التصوير الذي أصبح علماً قائماً بذاته يدرّس في الجامعات الغربية كلها تقريباً وتمنح فيه أعلى الشهادات العلمية ومنه التصوير السينمائي والتلفزيوني والتصوير الالكتروني والليزر وأشعة اكس والموجات فوق الصوتية والرنين المغناطيسي، حتى أن القرآن الكريم اعتبر حاستي السمع والبصر بوابتي المعرفة يقول تعالى"ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".
وقوله تعالى"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون"، إن 96 في المئة من الأشياء المحسوسة التي يتعلمها الإنسان هي عن طريق حاستي السمع والبصر.
ونحن نجد في مناهجنا التعليمية من يحلّل ويحرم استخدام الصور وبين موسيقى وموسيقى وبين غناء وغناء، فلا يجب إصدار أحكام قطعية اختلف فيها العلماء.
مناهجنا والغلو
وكيف ترى القواعد العلمية في بناء المناهج؟
- هنالك قواعد علمية في بناء المناهج، سواء أكانت مناهج التعليم الديني أم العلوم أم الرياضيات أم أي منهج تعليمي، لا يمكن أن يبنى المنهج شخص واحد، وإنما فريق عمل متكامل.
فالغلو تسلل الى مناهج التوحيد من خلال شخص واحد معروف، وهذه من الأخطاء المحورية القاتلة التي ارتكبتها وزارة التربية والتعليم ويجب أن تعترف بها، ونحن في السعودية دفعنا ثمناً باهظاً بسبب هذا الغلو.
القضايا الحساسة
لماذا لم نناقش هذه القضايا الحساسة قبل الآن؟
- نحن منذ سنوات لا نناقش قضايانا بموضوعية وندّعي الكمال في كل شيء، فمنذ اعتداءات جهيمان على الحرم المكي الشريف في العام 1400ه لم نناقش إلا قشورها وتركنا جذورها وأجّلنا النقاش الفكري والبحث عن أسباب ذلك، وما لبث هذا الفكر أن كَمُن لفترة من الزمن ثم عاد الى الظهور إبان حرب الخليج.
ولكن العمليات التفجيرية التي حصلت في العام 1996 في مدينة الرياض كانت المنبه الذي أيقظ عقولنا ومسّ الكهرباء الذي أصاب العصب الحساس للحكومة السعودية وشعبها، وتساءلنا كيف تسلل هذا الفكر التكفيري إلى مجتمعنا؟.
كيف أصبح يغرر بشبابنا الذين هم عماد الوطن ويهدد أمننا واستقرارنا؟
ومن أين استقى مشايخ التكفير وغيرهم هذه الأفكار؟ لماذا سجوننا الآن مليئة بالشباب الذي غرر به؟ وما السبب في انتشار التشدد والغلو في مجتمعنا؟ هذه التساؤلات يجب الآن مناقشتها مناقشة عميقة وطرحها في إعلامنا، لأن هذه القضية أصبحت جوهرية بالنسبة إلينا.
هل أسامة بن لادن وجماعته نتاج هذا التعليم في رأيك؟
- أريد أن اسأل من أين استقى ابن لادن وجهيمان من قبله أفكارهما؟ أليس من مدارسنا وجامعاتنا، ومن أين استقى الذين حرموا تعليم البنات وإدخال التلفزيون في عهد الملك فيصل؟ ومن أين استقى هذا الفكر الذين خرجوا بالأشرطة يحرضون الناس على ولاة الأمر في عهد الملك فهد حين اقترب صدام مئات الأمتار من مطار الظهران، ونحن كنا في أشد محنة...
هذي الفئة الآن يجب عدم السكوت عليها، ولا ينبغي ان نجامل فئة معينة على حساب مستقبل هذه الأمة وملايين البشر.
لمن تنسب التطرف والإرهاب اللذين شهدهما العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة؟
- التطرف هو في كل مجتمع موجود، لكن لا بد من أن نعترف بأن الغلو موجود في التيارات السلفية التي أصبحت تملك زمام الكلام وبدأت تضيق الخناق على معتنقيها في فكر أحادي، ظناً منها أنها على حق، وان الآخرين ضلال.
الإصلاح والتغيير
من أين يبدأ الإصلاح والتغيير في المناهج الدينية في نظرك؟
- يبدأ بتجديد المفاهيم الدينية التي تجذرت في مقرراتنا الدراسية وإعادة تصحيحها وأن تكون لدينا استراتيجية واضحة بعيدة المدى لتصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة، حتى لا يعود الفكر الذي استقى منه مشايخ التكفير - علي الخضير وناصر الفهد واحمد الخالدي - قبل توبتهم، لأن هذا الفكر لا يزال مشاعاً ومفتوحاً ومتروكاً لشباب، لم يترسخ لديهم العلم الشرعي.
وما زال الخطر قائماً لتكرار تلك النماذج التكفيرية، فما هي إلا وجوه إن غابت ستستبدل بوجوه أخرى، فهل سننتظر حتى يجرّب المجتمع طلبة علم آخرين حرمهم الله العمق والرسوخ والبصيرة؟
قارنت في كتابك المؤسسات التعليمية السعودية باليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، ألا ترى أن الخصوصية التي يتفرد بها المجتمع السعودي تجعله محط أنظار العالم الإسلامي والعالم الخارجي وتجبره على أمور معينة لا يستطيع تجاوزها؟
- كل دول العالم لها خصوصية، فاليابان دولة آسيوية وشرقية ولها خصوصية وهي خرجت من الحرب العالمية الثانية منكسرة ودمرت فيها أكثر من أربعة آلاف مدرسة، وبنيتها التحتية دمرت بالكامل، وهي دولة عديمة الموارد لا يوجد فيها نفط.
لكنها الآن من أعظم دول العالم في مجال التعليم، وأيضاً من اغنى دول العالم ثراء، لان الأمم لا تقاس بمواردها الاقتصادية ولا خصوصيتها ولا مساحتها ولا موقعها الجغرافي ولا عدد سكانها، وإنما تقاس بما قطعته من أشواط في مجال العلوم والتقنية، فالدول التي ابتعدت عن مجال العلوم والتقنية أصبحت في المؤخرة...
قس على ذلك، أيضاً كوريا الجنوبية التعليم فيها بدأ بعدنا بسنوات عدة، والآن وبعد ستين عاماً تقريباً تضاعف الدخل القومي فيها الى سبعين ضعفاً والسبب أن التعليم فيها اتجه الى العلوم والتكنولوجيا، واستطاعوا أن يبنوا القاعدة العلمية والتقنية، حتى أصبحوا منافسين لمعظم دول العالم ومن مصاف الدول المتقدمة.
لكن أين هو الدين من الكوريين واليابانيين؟
- الدين ليس تنظيراً ووعظاً وإرشاداً وهو لا يدرس في اليابان مثلاً ولكن لديهم مادة اسمها السلوكيات، وعليك أن تقارن بين سلوكياتنا وسلوكياتهم، ستجد الفرق، فالدين في حقيقته معاملة وسلوك يرَسَّخ وقيم تؤصَّل من خلال القدوة الحسنة، فانتشار الإسلام مثلاً في اندونيسيا كان عن طريق التجار الحضارم من خلال المعاملة الحسنة.
مخرجات التعليم
هل مخرجات التعليم تسير بعكس خطط التنمية في رأيك؟
- نعم فمثلاً في الصف الثاني الثانوي والثالث الثانوي يتم تقسيم الطلاب الى العلوم الشرعية والعلوم الإدارية والعلوم التطبيقية والعلوم الأدبية، لم تؤد ثمرات هذا التقسيم المصطنع الى نتائج ايجابية على مستوى التنمية البشرية في المملكة، ففي العام 1425ه في احدث دراسة علمية وجدنا أن نسبة 77.7 في المئة من إجمالي الملتحقين بالتعليم العالي من الطلاب والطالبات كانوا متخرجين من الأقسام الأدبية.
بينما بلغت نسبة الملتحقين بالأقسام العلمية اقل بكثير مما تحتاجه سوق العمل، إذ بلغت النسبة منهم 22.3 في المئة فقط، وهذا دليل على السير بعكس اتجاهات خطط التنمية فلا بد أن تكون مخرجات التعليم الثانوي منسجمة مع متطلبات التعليم العالي، فعند النظر لأي مشكلة ينبغي النظر لجذورها.
ما السبب في عزلة التعليم التقني والزراعي؟
- اعتقد أن نتيجة تدفق الغالبية العظمى من الطلاب لدراسة التعليم النظري على حساب دراسة التعليم المهني والتقني والزراعي والصحي جعلها مبتورة، وينظر إليها على أنها تعليم الفاشلين فتشوهت صورتها وقلّ الإقبال عليها، وفقدت صلاحيتها على مستوى الطموحات والآمال التي عقدت على هذا التعليم عند إنشائه.
ومن المؤسف حقاً أن أرى زيادة نفقات التعليم في المملكة إلى ما يقارب 74 بليوناً أي 24 في المئة من موازنة الدولة في حين نشاهد مجموعة كبيرة من البنين والبنات يطلبون العمل، ومنهم من يحمل مؤهلات فنية وتقنية وجامعية ولا يجدونه.
ونحن نستقطب قرابة السبعة ملايين من الأيدي العاملة الأجنبية من مختلف بلدان العالم، ولم ننجح في إحلال السعوديين مكانهم، بسبب عدم احترام البعض للعمل اليدوي وسلمنا الشباب الى الضياع والبطالة المقنعة، وربما إلى التشرد في المستقبل، وبالتالي لا نستطيع حلّ المشكلة إذا لم نبحث عن الخلل الأساسي وإصلاحه.
الترميم ليس تطويراً
وماذا عن عمليات التطوير التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم أخيراً؟
- جميع عمليات التطوير عبارة عن ترميمات، فنحن مارسنا الثانوية المطورة ومارسنا الثانوية الجاذبة وتشعيب التعليم وكل ذلك لم ينفع، بل زادت معاناة التعليم ونسبة البطالة. وإذا أردنا قياس أي تعليم، فعلينا النظر لمخرجاته، فالجامعات تخرّج جيوشاً جرارة من الطلاب في تخصصات غير مطلوبة تنموياً، وحان الوقت لتحويل الثانوية الى شاملة، لأنها مرحلة إعداد عام، وليست مرحلة تخصص.
ما رأيك في التعليم المختلط وعمل المرأة؟
- أنا لست ضد التعليم المشترك، فالمرأة نصف المجتمع، لكن هناك تناقضاً غريباً، إذ ان بعض النساء اليوم يقفن ضد عمل المرأة، ناهيك عن الرجال الواقفين سداً منيعاً. فتجد هذه المرأة تحمل شهادة دكتوراه ومتخرجة في جامعة غربية وهي على رأس العمل وتقف ضد عمل المرأة... يجب من الآن فصاعداً أن نبحث عن حلول جذرية لمشاركة المرأة في بناء المجتمع، ولا بد من مشاركتها الفاعلة بأي شكل من الأشكال وان تكون لدينا نظرة بعيدة للمستقبل ومن يغضب يغضب.
من يتحمل مسؤولية البطالة مع التعليم في رأيك؟
- الجميع يتحمل ذلك، ويتحمل جزءاً كبيراً القطاع الخاص، وبطالة المتعلم اشد خطورة من بطالة الجاهل، فالمتعلم تعلم كي يعيش حياة كريمة، فإذا وجد هذه الأبواب مغلقة أمامه يكون أداة من أدوات النقمة على المجتمع، بدلاً من أن يكون عضواً فعالاً ومنتجاً. وأحد أسباب بطالة المتعلم وازديادها هو جمود النظام التعليمي، فلا توجد استراتيجية واضحة لإعادة بناء الهيكل التعليمي السعودي برمته لا ترميمه إذا مازال على ما هو عليه منذ 50 عاماً. هذا النظام الذي يخرج لنا مئات من حملة الشهادات من الطلاب كل عام تقف على هامش خطط التنمية عاجزة بقدرتها على العطاء في مجالات التنمية الصناعية والزراعية والتقنية والفنية والصحية، لقد أصبحت أسواق السعودية تئن من الكوادر العلمية المتخصصة، بينما تغص هذه الأسواق بالأيدي العاطلة فنياً التي تحمل ورقة التخرج، ولكنها شهادة تفتقر على القدرة على العطاء.
أين هي لقاءات الحوار الوطني من واقع التعليم؟
- من أسوأ الأمور أننا حين نقيم سبعة حوارات وطنية ونستمر في الحديث طويلاً عن واقع التعليم وعن مخرجات التعليم وعن انتشار البطالة واقصد بطالة المتعلمين، ما يعني أن الحلول لم تتوفر بعد ولا حتى التفسير لأسباب المشكلة... إذاً المسؤولية الوطنية تحتّم على المسؤولين في الحوار الوطني أن يفكروا جميعاً في فلسفة هذا النظام وأهدافه وطبيعته وان يكون هذا التطوير مسؤولية مجتمعة.
وما التوصيات التي خرجتم بها من مؤتمر الحوار الوطني في الجوف والذي كنت احد المشاركين فيه؟
- في الحقيقة سئمنا من كثرة التوصيات قدمنا خلال سبعة حوارات وطنية آلاف التوصيات وكانت في مؤتمر الجوف عن توظيف المرأة ونشر ثقافة العمل المهني وغيرها، لكن لم تفعّل والوقت حان لتفعيلها وبناء استراتيجية واضحة لعلاج قضايانا خصوصاً القضايا الجوهرية والأساسية التي تمس مستقبل أبنائنا ووطننا.
من رؤية المؤلف للتعليم
نحن اليوم مطالبون بتوطين العمل التقني في بلدنا، إذ يتم تقسيم الطلاب إلى 50 في المئة للتعليم الفني والتقني، و50 في المئة للتعليم العام، مع ضرورة تعميق الشعور الاجتماعي نحو العمل اليدوي، فلا تقدم حضارياً ما لم نكن نحن أصحاب إرادتنا وليس ذلك بالمستحيل، لان القرن الحالي قرن أقسام المعرفة.
كما تشير الى ذلك وثيقة منظمة"اليونسكو"إذ إن احد أهداف التعليم هو بناء القاعدة العلمية والتقنية وبناء القدرات الوطنية في العلوم الأساسية، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها، وذلك من اجل الحدّ من التفاوت العالمي بين العالم الصناعي والعالم النامي، فهل سيكون لنا نصيب نحن السعوديين من هذه القسمة، أم نبقى تابعين ومستهلكين لما يقدمه الآخرون لنا؟.
ويعلم الله أن هدفي ليس التشنيع بأحد أو على مقرر من المقررات الدراسية، فهو ليس إلا من باب النصيحة والحرص على هذا الدين، على ألا نلبسه غلونا وأخطاءنا، ونلبسه ما ليس فيه من الأفكار المخالفة للنصوص الشرعية لنبين للناس أن احد أسباب التطرف والغلو الديني حمل لواءه فئة من الشباب المندفع، والتي لا حقيقة لها في شريعتنا السمحاء.
ولا بد من أن نوطّن أنفسنا على تقبل النقد البناء ومراعاة مصلحة الدين أولاً ثم مصلحة الوطن، تلك المصلحة التي أشار إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن كل شيء لدينا يقبل الأخذ والرد سوى العقيدة، وكل شيء نقبله للمناقشة سوى الوطن ووحدته وعزته وأمنه.
سيرة ذاتية
الدكتور محمد زايد يوسف.
- المؤهلات:
بكالوريوس في التربية.
ودبلوم عام من جامعة الملك عبدالعزيز في جدة 1396- 1397ه.
وماجستير من جامعة بورتلاند في أميركا 1402ه.
ودكتوراه من جامعة بفلو الأميركية الحكومية 1407ه.
- عمل متعاوناً مع إذاعة البرنامج الثاني من جدة.
- شارك في إنتاج العديد من البرامج في مجال العلوم والتقنية لمدة 5 سنوات.
- كما عمل متعاوناً مع مجلة"اقرأ"لمدة 4 أعوام، كما أعد صفحة علوم وتكنولوجيا في صحيفة"عكاظ"لمدة 4 سنوات.
- ألّف مجموعة من الكتب منها: كتاب جامعة الملك عبدالعزيز خلال 23عاماً وكتاب تاريخ المصحف الشريف.
وكتاب التعليم المبرمج... أسسه ومفاهيمه وتطبيقاته ونماذجه، إضافة إلى أكثر من ألفي مقالة علمية نشرت في صحف ومجلات المملكة والعديد من البحوث العلمية.
- شارك في مؤتمر الحوار الوطني في الجوف بورقة عنوانها"التعليم الواقع وسبل التطوير".
- يعمل حالياً كعضو هيئة تدريس في برنامج الدبلوم العام في التربية، وماجستير تقنيات التعليم في جامعة الملك عبدالعزيز.
- تقلّد العديد من المناصب الإدارية في الجامعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.