كم كانت أحاسيسنا جميلة، وطموحاتنا عالية، نحن التشكيليات والتشكيليين، عندما حققنا حلم تأسيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية. لم يأت هذا التأسيس من فراغ، بل كان نتيجة جهود طويلة ومضنية من الذين نحتوا بتجاربهم الإبداعية المتمكنة ذاكرتنا التشكيلية. وجاء أيضاً نتيجة لنضوج الظروف الموضوعية، والتي من أهمها الحاجة الملحة للبنى التحتية والتي لا يمكن لهذه المسيرة النهوض في ظل غيابها. وتتويجاً لهذا النضوج جاءت قناعة صناع القرار بضرورة الاستثمار في الثقافة والفنون كركيزة حضارية للتنمية، وكمنتج وطني يقدمنا لبقية شعوب العالم، ويؤسس لحوار حضاري عالي المستوى. مر أكثر من عام على هذا التأسيس، ومن الطبيعي أن تأخذ مسيرة البناء وقتها، لكن تبقى التحديات الأهم والتي تشكل إعاقات لهذه المسيرة، هي: 1. كيفية تجاوز نمط العمل الفردي التقليدي ومركزية القرارات، والانتقال إلى العمل الجماعي المتجاوز والذي يحقق الأهداف الأساسية لهذه الجمعية. 2. عدم القدرة على التعامل مع وجود الفنانة التشكيلية كشريك فعال في هذه المسيرة وليس كواجهة شكلية مهمشة وخالية من المضمون. 3. غياب التأهيل المعرفي والمهني المسبق في الإدارة الثقافية، والذي باعتقادي شكل مأزقاً لعمل مجلس إدارة هذه الجمعية. مسألة إدارة مؤسسة ثقافية أو فنية، ليست بالأمر السهل، فهي تتطلب خبرة ومهنية عالية ومعرفة متجددة، مرنة ومبدعة، اذ ستتحمل هذه الإدارة مسؤولية نجاح هذه المؤسسة واستمرار تطورها. وحين لا يمتلك أي مجلس إدارة ذلك، ستظل تلك المؤسسة واقفة في ذات المكان رهن خبرة عفا عليها الزمن، محدودة وغير قادرة على التطور ومتوجسة من أي محاولة للتجديد. علماً بأن تأسيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية أتى تغييراً وتجديداً لواقع عانينا منه طويلاً ولم يعد يلبي طموحات الحركة التشكيلية. إذاً، نحن بصدد حاجة ملحة إلى التأهيل المعرفي والمهني في الإدارة الثقافية، كي نتمكن، أولاً، وقبل التركيز على الشكليات والكماليات لهذه الجمعية، من تأسيس هيكل إداري متمكن، وفريق عمل قوي، متكافئ ومتناغم. ولا بأس أن نتوقف قليلاً ونعترف بهذه الحاجة ونعطيها حقها من الحلول. هذا أفضل بكثير من الركض لتأسيس كيان شكلي هش، لا يضيف أي جديد بالانتماء إليه. هذا التأهيل في الإدارة الثقافية غائب على المستوى المحلي، وموجود بشكل محدود على المستوى العربي. نحن بحاجة إلى جميع الخبرات والتجارب المتمكنة في هذا المجال، أينما كانت، عربياً أو عالمياً، مع العلم بأن هذا التوجه للتدريب في مجال الإدارة الثقافية قد يشكل أيضاً فرصة استثمارية لشركات القطاع الخاص ومعاهد التدريب الإداري المحلية. هناك أيضاً حاجة إلى هيئة تدقيق مستقلة تقوّم دورياً، مسيرة العمل الإداري لمجالس إدارة المؤسسات الثقافية، عبر تشخيص مواقع الضعف والقوة، واقتراح الحلول وتقديم الاستشارات اللازمة، للمساهمة في ضمان مستوى عال من الجودة في مقابل الاستثمار في هذا القطاع.