ضمن فعاليات ملتقى المثقفين السعوديين الثاني الذي رعاه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -؛ معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة أقيمت مساء أول أمس الأربعاء بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض جلسة عن «الفن التشكيلي» تدور حول أبرز التحديات التي يواجهها الفنان التشكيلي وما يتعلق بالتنظيمات والمقترحات للنهوض بحركة الفنون المحلية، أدار الجلسة الدكتور محمد الرصيص رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وشارك فيها كل من: د. صالح الزاير، د. مها السنان، والتشكيلي أحمد فلمبان. قبل بدء الجلسة رحب الأستاذ محمد نصر الله بالضيوف والمشاركين. وأكد على أهمية الفنون التشكيلية كجزء لا يتجزأ من الثقافة ودوره في الحراك المحلي والعالمي، كما نقل عتب الفوتوغرافيين الذين طالبوا بعدم إقصائهم من المشاركة والسماح لهم في طرح ما لديهم من رؤى وأفكار خلال الملتقى، عقب ذلك توجه مدير الجلسة الدكتور محمد الرصيص بالتقديم للجلسة وأشار فيها لأهمية مثل هذه الملتقيات الثقافية في إثراء التواصل والحراك الفني وعرج على لمحة تاريخية لدور الفن التشكيلي المحلي واستعرض الحضور الفني خلال الملتقى الأول للمثقفين قبل أكثر من سبع سنوات. ثم تحدث أول المشاركين في الجلسة الدكتور صالح الزاير أستاذ التربية الفنية المشارك جامعة الملك سعود بالرياض، عن «التنظيمات المهنية ودورها في إثراء الحراك في الفنون التشكيلية» بدأها الدكتور الزاير بما يتردد عند الكثير من التشكيليين الخوض في المشاركة الفاعلة في الأعمال التنظيمية التي تقوم على التعاون المستمر في تنظيمات وجمعيات مهنية؛ حيث طرح جملة من المبررات أبرزها أن يكون المبرر عند البعض بأن مثل هذه التنظيمات إدارية بحتة وأن مثل هذه المهارات تخصصية في مجال الإدارة، وأن العمل الفني بطبيعته فردية لا تقبل المشاركة إلا بعد إتمام العمل، والفنان يعمل بمفردة متفاعلاً مع عمله الفني، ويفضل أيضاً التعامل مع أشخاص يقومون بمساعدته في تنظيم المعارض، لينحصر دوره عند إنجاز عمله الفني، فيبدأ عمل الآخرين الذين يديرون الدفعة عنه ويريحونه من - «وجع القلب» كما أشار - في عرض وتسويق أعماله، ومع وجود العديد من التنظيمات الفنية في العالم وفي العالم العربي من مدة غير قصيرة؛ طرح الزاير التساؤل التالي: «ما هو دور التنظيمات المهنية في إثراء الحراك التشكيلي؟». ليجيب باستعراض لأهم التنظيمات والجمعيات التشكيلية في الوطن العربي والتي ساهمت في وجود التنوع في الخبرات والتوجهات الفنية وأساليبها، كما التوجهات والاهتمامات الفكرية.. يقول الدكتور الزاير: «نشأت تجمعات يجمعهم الأساليب أو الحراك الفني والتوجهات الفكرية، وقد ساهمت بشكل ملحوظ في تطور التشكيل العربي، وقد تكون مصر والعراق هي من أوائل الدول التي نشأت فيها هذه التنظيمات». ويضيف: «وفي دول الخليج العربية، فتعد دولتي الكويت والبحرين رائدتين في التنظيمات المهنية التشكيلية, وعلى مستوى دول مجلس التعاون تأسست جماعة «أصدقاء الفن التشكيلي لدول الخليج» عام 1985م. د. الزاير: التشكيليون فشلوا بسبب الخلاف وليس الاختلاف، وتجربة الجمعيات الفنية أصابها نفس الداء! وعند «اتحاد جمعيات الفنون التشكيلية بدول مجلس التعاون الخليجي» توقف الدكتور الزاير للحظات موجهاً سؤالاً للحضور حول من منكم سمع بهذا الاتحاد؟! ليفاجأ بعدم الرد من الحضور من الفنانين والمثقفين حول سؤاله الذي كرره، وليجيبهم مستغرباً عدم معرفتهم بها برغم عمرها الزمني القصير، حيث تم الإعلان عن قيامه يوم الخميس 19-6-2008م في مملكة البحرين بعد اجتماعين في الرياض والكويت، والاتحاد الجديد يضم الجمعيات التي تعنى بنشاطات الفنون التشكيلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتمتلك الشخصية الاعتبارية المعنية وفقاً للأنظمة المتبعة في كل دولة. هذا وتحدث الزاير عن أبرز الجماعات التشكيلية في المملكة والتي وصفها أن الفنان التشكيلي يطمح لفضاء أرحب وحراك أوسع لا يرتبط بقيود إدارية تعمل في كثير من الأحيان على كبح طموحه واندفاعه وعرض إبداعاته، فتكونت بذلك الجماعات التشكيلية الأهلية في شتى مناطق المملكة هو ناتج عن شعور الفنان التشكيلي الطبيعي بعدم قبوله للروتين والقيود، واستعرض أهم الجماعات الفنية التي تشكلت خلال الثلاثين سنة الماضية مثل: جماعة فناني المدينةالمنورة التشكيليين، جماعة فناني القطيف بالمنطقة الشرقية، جماعة فناني الدوادمي ،جماعة الرياض للفنون التشكيلية، جماعة ألوان للفنون التشكيلية.. وأضاف أن في الآونة الأخيرة وفي مناطق متعددة من المملكة المترامية الأطراف تكونت جماعات تضم تشكيليين من الهواة في هذه المناطق، ومن هذه الجماعات: جماعة سدير للفنون التشكيلية، جماعة تعاكظ (فناني الطائف)، جماعة الجوف للفنون التشكيلية، جماعة الخرج للفنون التشكيلية. وأكد الدكتور الزاير أن هناك جماعات للفنون التشكيلية في مناطق المملكة تنشأ كل يوم، فبعضها يستمر في تقديم أنشطته في مواسم معينة والبعض الآخر تتذبذب عطاءاتها والبعض يتوقف تماماً، ومن الملاحظ على هذه الجماعات أنها تتركز على المناطق الجغرافية وليس بالضرورة على التوجهات والأساليب والتجانس الفكري وتقارب الخبرات والتجارب الفنية، وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر جماعات ذات توجه في مجال معين مثل «مجموعة الفن الرقمي». عقب ذلك تحدث عن الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) والتي تأسست عام 1428 (2007) كمؤسسة ثقافية غير ربحية تعنى بالفنون التشكيلية ومستقلة مالياً وإدارياً وهي المسئول المباشر المناط به تنظيم ورعاية الحركة التشكيلية بالمملكة بدعم ومؤازرة من وزارة الثقافة والإعلام، ليشير إلى أنه بعد ما مضى على تكون الأساسات للحراك التشكيلي في المملكة أكثر من 30 عاماً بعد مرحلة التأسيس، أصبح من ضرورة الحال تنظيم مثل هذا الحراك وانطوائه تحت مظلة مؤسسات المجتمع المدني وكان لزاماً أن تنشأ مؤسسة ذات نفع عام تمثل الفن التشكيلي السعودي في المجتمع المدني، فتبنت وزارة الثقافة والإعلام تأسيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية. عمل للسعودي عبدالناصر غارم بيع بأكثر من 800 ألف دولار وأكد الزاير أنه وبرغم أن الفنان السعودي لا تنقصه الإنجازات الفردية، بل إن الكثير من الفنانين السعوديين يشاركون وبجدارة في معارض السنتين «البيناليات» العربية والدولية، ويتمتعون بمستوى عال من الإنجاز التشكيلي. ولكن بكل المعايير وبشهادة الوسط التشكيلي فإن مشروع الجميعة قد فشل فشلاً ذريعاً، وأثرى الخلاف (وليس الاختلاف) بين التشكيليين السعوديين؛ بل إن تجربة الجمعيات الفنية قد أصابها نفس الداء، والسؤال الذي يسأله الكثير من المتابعين هو: «لماذا فشلت هذه التجربة في وسطنا الفني، بينما نرى لها نجاحات وإنجازات كبيرة في دول الخليج والدول العربية؟». ليجيب الزاير: أن الحقيقة الواضحة أن الأطراف الثلاثة: وزارة الثقافة والأعضاء ومجلس الإدارة، تقع عليهم مسئولية هذا الفشل، فلم يقم كل بدوره في العمل على نجاح هذا العمل، بل إن مثل هذه التجربة لن يكتب لها النجاح وتحقيق التقدم المدني المطلوب أو تنظيم النشاط الإبداعي لأهداف ترفع من مستوى الطرح الثقافي والحضاري، إلا بتكامل الدور لهذه الأطراف الثلاثة. أخيراً طرح الدكتور الزاير نقاطا هامة أسماها نظرة إلى المستقبل شملت بعض الرؤى تدور حول نهضة الفنون وإبرز التنظيمات التي من شأنها تحقيق أعلى درجات التقدم والتطوير. عقب ذلك تقدمت الدكتورة مها السنان بورقة عملها التي تدور حول قيمة الفن كرؤية مستقبلية نحو ثقافة تجارة الفن في المملكة، حيث بدأت بالسؤال: هل يمكننا دعم الفن المعاصر المحلي بدون التأثير في صدق تعبيره، مع تطويره من النمط التقليدي إلى النمط المعاصر دون توجيهه ليخدم النمط الغربي المسيس أو المؤدلج؟ ولتجيب على هذا السؤال قامت بطرح ومناقشة أسئلة أخرى متفرعة: ماذا نعني بالفن المعاصر؟ وسوق الفن؟ وتجارة الفن؟ ولماذا الآن؟ وهل نحن جاهزون؟ وما هي العوائق؟ وما دور وزارة الثقافة والإعلام تجاه كل هذا؟. وبعد جملة هذه التساؤلات استعرضت الدكتورة السنان أعمالاً فنية علقت عليها بالقول: «تقول بن حمو-هويت في كتابها ( ما هي قيمة الفن) : «عندما يتصدر خبر بيع عمل فني واجهة الأخبار العالمية، فنحن نعلم أن السبب ليس العمل الفني ذاته بقدر ما هو سعر البيع» هذا بالضبط ما حصل مع عمل الفنان السعودي عبدالناصر غارم الذي وضعه سعر بيع عمله (الرسالة/الرسول) (Message/Messenger) عبر مزاد كريستيز الشهير بمبلغ يصل إلى 842500 دولار أمريكي، بعد تقدير أولي ما بين 70 إلى 100 ألف دولار، وهو رقم قياسي في سعر أعمال الفنانين العرب بشكل عام ناهيك بطبيعة الحال الفنانين السعوديين. فقد أثار ضجة هائلة في الأوساط الإقتصادية المهتمة بالفنون وفي الأوساط الثقافية بل حتى الاجتماعية». وأضافت: «رسالة ورسول غارم أتت في الوقت المناسب، في زمن نبحث فيه لنا عن هوية نتمسك بها في ظل العولمة وأمام المجتمع الدولي، الذي توجه بصرياً ناحيتنا بعد إعادة إحياء النفط لثقافتنا بأسلوب معاصر وغني! جاءت رسالته مُرمّزة ومحملة بالكلمات والمحفزات التي تجعل لكل منا استنتاجه الخاص، جاءت لتؤكد ما كنت أقوله قبل فترة من أن عبدالناصر غارم هو النموذج الأفضل للفنان السعودي المعاصر، الذي استطاع أن يحافظ على هويته ويستخرج منها فناً يحمل أبعاداً فكرية وشكلاً معاصراً عالمي اللغة، جاء غارم لينقلنا من تبعات الفن الحديث وتقليد الآخر، إلى مرحلة الفن الإسلامي المعاصر بنكهة ورؤية سعودية.. ونحن اليوم بحاجة إلى بنية ثقافية تحتية تتيح إكتشاف ورعاية المزيد مِن مَن هم مثل غارم». فلمبان: الفن التشكيلي السعودي «مكانك سر» ولا يزال يقف في حدود «الظاهرة»! عقب ذلك عرجت إلى التعريف بأهمية الفنون المعاصرة وسوق الفن؟ وتجارة الفن؟ وأشارت إلى أن الفنون المعاصرة تعتبر ردة فعل على نتاجات الفن الحديث البعيد عن الأصول التقليدية، فجاءت لتعيد الارتباط بالتقاليد والحضارات، ولكن وتماشياً مع مظاهر العولمة أضحت هذه الأعمال مقبولة في الذائقة العالمية بسبب استخدامها للتقنيات والأساليب الحديثة أو خلط الرموز المحلية مع الرموز أو الأساليب الغربية في العمل الفن؛ أما سوق الفن فهو تبادل تجاري يتم من خلاله توفير احتياجات العرض والطلب من الأعمال الفنية ومن مقتنيي تلك الأعمال، بحيث يتم تقدير قيمة العمل الفني اقتصادياً من خلال عملية البيع، ومن أهم عناصر هذا السوق جامعي الأعمال ومسوقيها وقيميها ودور المزادات، حيث أصبح لهم تأثير كبير في تحديد شكل واتجاه هذا الفن». هذا وأشارت السنان إلى دور الإعلام الذي يبدأ قبل مرحلة بيع العمل من خلال نشر مواضيع متعلقة بالمجموعة أو بالعمل فقط، ويستمر هذا الدور حتى بعد البيع في المزاد كصدى للعملية ذاتها، علما بأن هذا الصدى لا يشمل العمل بقدر ما هو سعر البيع تحديداً. ولكن وفي المقابل دور الاقتصاد في الفنون ليس حديثاً بحداثة التجارة المنظمة المتعارف عليها حالياً، فتاريخ الفن الإسلامي ومقوماته الاقتصادية التي أوجدت مساحة غنية لمزاولة العمارة والفنون الزخرفية للعناصر المعمارية، إضافة إلى الفنون التطبيقية من المعادن والخزف.. الخ, نموذج واضح لمقولة «كلما ازدهر الإقتصاد ازدهرت الفنون»، عقب ذلك استعرضت السنان أرقام وإحصائيات لتوضيح قيمة ومفهوم سوق وتجارة الفن على أرض الواقع، خصوصاً وأن الكثير من المبيعات تعقد بشكل سري، حيث يخفي بعض الفنانين وجامعي الأعمال ومسوقي الأعمال الفنية أرقام المبيعات، إلا أن الأرقام والإحصائيات التي استعرضتها أعطت تصوراً ولو بسيطاً للوضع، الأمر الذي قادها إلى التساؤل الثاني لماذا الآن؟. ولتجيب: «يرى سبرانزا في كتابه (علم الاقتصاد في الفنون) أن الاقتصادي يجب أن يهتم بمجال الفنون لثلاث أسباب، أولها؛ أن هذا المجال من المفترض أن يسعى إلى إشباع الحاجة الإقتصادية لأحد أهم متعلقات المستهلك قيمة، أي الحاجة إلى فهم إشكالية طبيعة تسويق هذا المنتج. وثانيها؛ لكي يزدهر الفن، يجب أن تتوفر بيئة إنتقالية للعمل من الفنان إلى المقتني، ويجب إدارة هذه البيئة بحيث لا تؤثر سلباً على الثقافة البصرية، عليه من المهم أن يكون الإقتصادي ملما بهذا المجال وواعيا بأساسياته حينها دوره سيكون إيجابيا في عملية الإنتقال هذه. وثالثها؛ حتى يكون الإقتصادي على وعي بمشكلة (جودة) العمل الفني، لا بمفهومها الثقافي والفكري فحسب، بل بمفهومها الصناعي والتقني. ولكن ما الذي سيجذب الإقتصادي لمجال الفنون، وهل هناك فعلا جدوى اقتصادية؟». وأشارت السنان إلى أهمية البنية التحتية لسوق الفن بوصفها بنية متكاملة يتحملها القطاع العام والخاص؛ عقب ذلك تحدثت عن الدور الذي نتطلع إليه من وزارة الثقافة والإعلام في دعم هذا المجال، حيث أشارت إلى أن لوزارة الثقافة والإعلام أهمية كبرى في دعم الحراك الثقافي، إلا أن تأخرها في دعم المفاهيم الجديدة للفن المعاصر بسبب محافظتها على الصورة التقليدية في الفن التشكيلي السعودي، كان له دور في الفجوة الثقافية بين المعاصر والتقليدي في فنوننا البصرية. ولم تكن أيضاً المسؤولة الوحيدة، فهو نتاج اجتماعي ومؤسساتي ساهم فيه عدد من العوامل كما سبق وأن ذكرت، إلا أن الوزارة بدأت بمواكبة هذا المجال في الفترة الأخيرة، منها إعادة صياغة دعواتها لمعارضها، وكان النموذج الأول هو الدعوة إلى المعرض التشكيلي السعودي الأول لفن الميديا (كما أطلق عليه). وفي الختام تحدثت السنان عن الدور المأمول من وزارة الثقافة والإعلام لكي نكون جاهزين لسوق الفن، وأكدت أن الحل هو في تدخل المؤسسات الثقافية المحلية من القطاعين الخاص والعام وتشجيع الفن ليتناسب مع السوق العالمية، ولكن ضمن رقابة داخلية وعدم ترك المجال لتسييس اتجاه الفن المعاصر. وألمحت إلى أنه إن كان العقد الأول من هذه الألفية في صالح الفن المعاصر الشرق آسيوياً «فإننا نتوقع أن يكون العقد الثاني عصر الفن المعاصر للشرق أوسطي فهل نحن مستعدون؟.. لا أعتقد أن الأمر صعب المنال، فلنا بما فعلت ودفعت دولة قطر لقاء إقامة كأس العالم عام 2022 في سبيل نقل دولة في حجمها إلى الأضواء العالمية في مجال الرياضة دليل على إمكانية النهوض بمجال ما إذا كان هناك أمل في قطف ثمار إقتصادية للوطن، فإذا كانت ثمار الرياضة آنية ومرحلية، فإن ثمار الثقافة مستدامة، وليس لها نهاية». عقب ذلك قدم الفنان أحمد فلمبان قراءة نقدية ورؤية مستقبلية للفن التشكيلي في المملكة مستعرضاً ما تحقق خلال خمسة أجيال من الفنانين والفنانات وبعد نصف قرن من الزمن، ووجود الجهات الرسمية والخاصة والداعمة ووجود الجماعات والمراسم والصالات الفنية، وقيام العديد من المعارض الشخصية والجماعية والمسابقات والمهرجانات والأسابيع الثقافية داخل وخارج المملكة، إلا أن جميعها تعتبر أنشطة تقليدية إجرائية بيروقراطية روتينية هدفها تنفيذ البرامج وتحقيق الخطط في حدود التعليمات ومراعاة البنود، ينتهي بنهاية الحدث دون الاهتمام بالمستوى الفني والاعتراف بهذا الفن واستمراريته والارتقاء روحياً بالفنان ورعايته وأنه مبدع لنتاج فكري إنساني هدفه إضاءة شعلة روحية قصدية جماعية في محيطه ومجتمعه لأنه وفنه جزء من التجربة الإنسانية. وأشار إلى أن الفن التشكيلي السعودي «مكانك سر» ولا يزال يقف في حدود «الظاهرة» بسبب وجود العديد من العوائق التي تعترض مسيرته وتقدمه ووصوله إلى المستوى الذي يميزه عن باقي الفنون العربية والعالمية. لهذا؛ آن الأوان لتكون هناك وقفة صادقة، بضرورة الاهتمام بهذا الفن، والتقدم به خطوة من أجل الوصول إلى مستوى الحراك بمفهومه العلمي، بإرساء قواعده على أسس علمية صحيحة، وتحقيق الطموحات والمأمول. ولخص الفنان فلمبان الواقع التشكيلي إلى ضعف الإنتاج الفني والأمية الفنية انعدام «الهوية» وضعف الشخصية، وأشار إلى أن الفن عندنا «غربي» في مجموعه، لأن الفنان السعودي تفتحت عيناه وهو لا يرى غير هذا الفن الأوروبي الناضج، ومن هنا كانت الحاجة ماسة لهذا الفن، فأخذ كل فنان طريقه لإشباع رغباته وتنمية مهاراته الفنية والاستفادة من علوم هذه الفنون وتقنياتها ومدارسها، وبعضهم ما يزال أو لازال يدور في دوامة التنقل من اتجاه إلى آخر ومن مدرسة إلى مدرسة ومن تيار إلى آخر في مدارس الفن الحديث وأيهما يبدأ بالأسلوب أم المضمون؟ الطريقة أم الفكرة؟ ليس بقصد الإلمام والتعلم والمعرفة، بل سعياً وراء البحث عن ذواتهم الإبداعية من خلال الأساليب والتقنيات الفنية الجاهزة. وأشار فلمبان إلى أن الشيء المحزن إن بعض الفنانين يعانون من الأمية الفنية، وأكد أن صالات العرض الفنية من أهم القنوات المؤثرة للتعريف بالفن التشكيلي وهي البوابة التي يدخل منها الفنان إلى الجمهور ويتواصل معهم والنافذة التي يطل منها المتلقي على هذه الفنون. كما أشار إلى أهمية النقد الفني وإلى أن الفن التشكيلي السعودي يعيش واقعاً كئيباً من تخلف النقد الفني الجاد، وتحدث فلمبان إلى أهمية توثيق الأعمال الفنية وحقوق الفنان والمتلقي حيث شهدت الساحة التشكيلية المحلية عدداً من القضايا التي تتعلق بالملكية والحقوق الفكرية للعمل الفني أبرزها ضياع العمل الفني أو تلفه التي تشكل خطراً قادماً إلى الساحة التشكيلية. كما شدد على أهمية وسائل الإعلام المختلفة في تطور وانتشار الفنون التشكيلية ودورها الفاعل في تنشيط هذا الجانب وتحفيز الفنان على العطاء والعمل الجاد. كما تحدث عن الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) الذي أكد أنها لم تكن في مستوى الحدث والتطلعات الكبيرة وأحلام التشكيليين، لوجود بعض المشاكل وخلل في التعامل، وعدم الانسجام في العلاقة، وبدأت تتهاوى أوراق الخريف باستقالة أعضائه واحداً تلو الآخر، وذهب معظم الميزانية في نفقات سفر وإقامة وإعاشة ومكافآت أعضاء مجلس الإدارة وتصميم الشعار وبعض الفعاليات المتواضعة التي لا ترقى إلى مستوى المأمول، وحال الحول على حل المجلس، والأعضاء المؤسسون والعاملون والمنتظمين في تسديد رسم العضوية؛ ينتظرون!. كما تحدث عن دور المشاركات الدولية وأشار إلى أن المستوى الفني للتشكيل السعودي المشارك ضمن الأيام الثقافية السعودية الدولية لا زال ضعيفاً ولا يرقى أبداً إلى مستوى الطموحات، وألمح إلى أنه ثمة خلل في هذه الآلية التي تحتاج إلى وقفة تأمل متأنية وموضوعية وصريحة وحازمة وإعادة حسابات وتخطيط ودراسة ومنهجية واعية دون النظر في الأسماء وشهرتها وسطوتها بقدر الاهتمام بالتجارب المتميزة والمستوى الراقي والخصوصية بمفهومها الشامل. هذا وشملت الجلسة مداخلات من الحضور الذي تفاعل مع ما قدمه المشاركون حول ضرورة تسريع عجلة الإصلاح والتطوير والنهوض الفني والفكري. يذكر أنه على هامش الملتقى المثقفين السعوديين الثاني أقيم معرض فني لأبرز الأعمال الفنية والنحتية والخط العربي.