إن مهنة الطب تعد من أعظم المهن وأجلها ومن أشرف الأعمال وأعظمها ولا ريب من أهمية هذه المهنة لما فيها من منفعة عظيمة للمجتمع من خلال إسهامها في تقليل الأضرار الناتجة من الأمراض والآفات والإصابات التي تصيب البشر بالعلل، إذ يساعد الطبيب وبعون الله تعالى في تخفيف آلام المرضى والإسراع بشفائهم من أمراضهم وعللهم. ولا ريب أيضاً أنه بقدر أهمية مهنة الطب بقدر ما يتخلل تلك الممارسة من مخاطر تتمثل في خطأ الطبيب أثناء ممارسته لمهنته، وذلك الخطأ الذي قد يترتب عليه آثار خطيرة قد تؤدي إلى إزهاق روح المريض، وهو ما يعني حاجة هذه المهنة إلى العديد من الضوابط الشرعية والقانونية في ممارستها لما تمثله من خطورة في بعض الأحيان. ويمكن القول إن طبيعة خطأ الطبيب من الناحية الجنائية تختلف عن طبيعة الخطأ الذي تترتب عليه المسؤولية الجنائية في العديد من الجرائم الأخرى، سواء من حيث الخطأ أم من حيث تكييف الجريمة أم من حيث الوسائل المتبعة أم الخبرة الفنية اللازمة لتحديد طبيعة الخطأ، وأخيراً من حيث طبيعة الجهة التي تختص بتوقيع العقاب في حال ثبوت هذا الخطأ. واستقرت بعض الأنظمة القانونية في تطبيق القواعد العامة في القانون الجنائي على المسؤولية الجنائية للأطباء من دون إفرادها بتنظيم خاص يتناسب مع طبيعتها الخاصة، بيد أن غالبية الأنظمة القانونية تتجه الآن إلى إفراد هذا النوع من المسؤولية بنصوص خاصة، وهو ما أخذ به النظام السعودي حينما وضع نظاماً خاصاً بممارسة مهنة الطب البشري، تضمن واجبات الأطباء وعناصر تلك المسؤولية والجهة المختصة بالمساءلة الجنائية في هذه الحال وهو نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان الصادر برقم م/3 وتاريخ 21-2-14209ه. وبعد ذلك لا بد من أن نعرف ما تعريف الخطأ الطبي بحسب نظام مزاولة مهنة الطب البشري، وطب الأسنان؟ إذ حددت المادة 28 من النظام أن الخطأ الطبي"وهو كل خطأ مهني صدر من الطبيب أو أحد مساعديه ويترتب عليه ضرر يلتزم من ارتكبه بالتعويض، تحدده اللجنة الشرعية المنصوص عليها في النظام"، كما اعتبرت المادة أن من قبيل الأخطاء الطبية"الخطأ في العلاج أو نقص المتابعة أو الجهل بأمور فنية يفترض في من كان في مثل تخصص الطبيب الإلمام بها. وكذلك إجراء التجارب أو البحوث العلمية غير معتمدة على المريض، وكذلك إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار، واستعمال آلات أو أجهزة طبية من دون أن يكون الطبيب على علم كافٍ بطريقة استعمالها أو من دون أن يتخذ الاحتياطات الكفيلة لمنع حدوث الضرر من جراء هذا الاستعمال. وأيضاً التقصير في الرقابة والإشراف على من يخضعون لإشرافه وتوجيهه من المساعدين، وأخيراً عدم استشارة من تستدعي حالته المرضية، وبالتالي يتضح لنا أن الأخطاء الطبية لا يمكن حصرها ولكن نستطيع أن نقول كل ما يصدر من الطبيب ويتجاوز به اختصاصه أو الأعراف المتعارف عليها في مهنة الطب وتسبب في حدوث أي ضرر للمريض، بغض النظر عن حجم الضرر الناتج، فإنه في الحال يقع الطبيب تحت طائلة المسؤولية الجنائية ويخضع للعقاب بحسب النظام. ويجب أن نوضح أن الطبيب من الناحية الشرعية عليه بذل الجهد وهي العناية الطبية الفائقة التي تتفق مع أصول مهنة الطب، وليس عليه ضمان النتيجة وخلاف ذلك فإنه يكون الطبيب وقع تحت طائلة الخطأ الطبي. كما نود أن نشير إلى أن قضايا الأخطاء الطبية ينظر ويفصل فيها من اللجان الطبية الشرعية التابعة إلى وزارة الصحة التي تعتبر قراراتها مستقلة بصفتها الجهة المختصة بنظر النزاع التي تشكل بحسب ما نصت عليه المادة ال 34 من النظام"من قاض لا تقل درجته عن أ يعين من وزير العدل ومستشار نظامي يعين من وزير الصحة كعضو وعضو هيئة تدريس من أحد كليات الطب في الجامعات السعودية يعين من وزير التعليم العالي كعضو في اللجنة كذلك طبيبين من ذوي الخبرة والكفاءة يعينهما وزير الصحة كعضوان". وتعتمد قرارات اللجان الطبية الشرعية من وزير الصحة بصفته الجهة الناظرة للنزاع، كما يجوز التظلم من قرارات هذه اللجان أمام ديوان المظالم خلال ستين يوماً من تاريخ الإبلاغ بالحكم بحسب المادة ال 38 من النظام. وذلك بتقديم لائحة اعتراض من الشخص المعترض يذكر فيها أسباب اعتراضه وأسانيده. وعليه: فإنني أنوه أن هناك بعضاً من أصحاب الدعاوى الذين تعرضوا إلى أخطاء طبية تسببوا في ضياع حقوقهم وذلك لعدم معرفتهم للنظام، ولم يقوموا بإسناد هذه القضايا للمتخصصين لجلب حقوقهم إذ إنها من القضايا المهمة المتعلقة بأرواح العباد. ولا يمكن أن نضع المسؤولية كاملة على جهة التقاضي في حال عدم نجاح القضية التي قد يكون نتج منها خطأ طبي فعلي، إذ إن مناقشة الطبيب أمام اللجنة المتخصصة مهمة للغاية، وهذا لن يصدر إلا من صاحب اختصاص. كما توجد حالات كثيرة لم يتم إثبات الخطأ الطبي فيها، وقد يكون عدم الإثبات ليس لعدم وجود الخطأ ولكن لعدم معرفة صاحب الحق بإثبات وكيفية هذا الخطأ. عليه أقول يجب على كل مواطن أن يكون ملماً بهذا النظام حيث يعني الجميع وليس قاصراً على فئة من دون أخرى. مستشار قانوني