ينظر البعض إلى زواج المسيار بعين التحفظ والريبة، وذلك لما يكتنفه من السرية والغموض، ولعلنا نطلع على بعض زواياه وخباياه وربما أعماقه بتجارب بعض من خاضوا هذه التجربة. يقول ابن قدامه المقدسي، رحمه الله، في المغني"رجل تزوج من امرأة واشترط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة، وآخر اشترط عليها أن تنفق عليه كل شهر خمسة أو عشرة دراهم، وآخر يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر أياماً معلومة"، وهذا يؤكد لنا أن زواج المسيار موجود منذ القدم، وانه لا فرق بينه وبين ما يُعرف حالياً بزواج المسيار الآن، إلا أن استحداث التسمية والعبرة في العقود والمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني، ولقد أجاز المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي هذا الزواج، وانه خلاف الأولى وهو ناتج عن إخضاع هذه العقود لقواعد الشريعة وضوابطها من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع. ولزواج المسيار أسباب، منها ما يتعلق بالرجال، ومنها ما يتعلق بالنساء، ومنها ما يتعلق بالمجتمع، فالرجال يقبلون عليه بسبب رغبتهم في المتعة وعدم تحمل المزيد من أعباء وكلفة الزواج، أو لكثرة سفرهم... والنساء توافق عليه هرباً من شبح العنوسة أو حاجة البعض منهن لرعاية والديها، أما يتعلق بالمجتمع فبسبب غلاء المهور. ومن مزاياه انه يعالج العنوسة وأصحاب الظروف الخاصة، وفيه إعفاف للطرفين، ويساعد الشباب الذين لا يستطيعون الزواج بسبب كلفته الباهظة.يقول المستشار الأسري نواف الرعوجي:"زواج المسيار زواج شرعي، وأتمنى أن يكون مألوفاً في واقعنا الاجتماعي، لأنه يساعد على حل مشكلة العنوسة وأصحاب الظروف الخاصة، ولكن يجب أن يقنن ويوضع له ضوابط مدروسة النتائج، وذلك حماية للأعراض وصيانة للعقود". يوجد الكثير من التجارب الناجحة في زواج المسيار، وأحياناً يتحول، نتيجة طيب العشرة، إلى إعلان النكاح... إن زواج المسيار تجربة ناجحة بنسبة 90 في المئة بشرط اتفاق الطرفين والانسجام بينهما والقيام بالحقوق والواجبات، وأن يحاول الزوج الوقوف مع زوجته المسيارية ويقضي حاجاتها، ويسافر بها في أوقات الإجازات، وينفق عليها ولا يحرمها من الذرية. وأخيراً، لا ننكر أن هناك أضراراً تحصل بسبب هذا الزواج، منها: - قد يتحول الزواج بهذه الصورة إلى سوق للمتعة وينتقل فيه الرجل من امرأة إلى أخرى وكذلك المرأة. - الإخلال بمفهوم الأسرة من حيث السكن الكامل والرحمة والمودة بين الزوجين. - قد تشعر المرأة فيه بعدم قوامة الرجل عليها، ما يؤدي إلى سلوكها سلوكيات سيئة. - عدم إحكام تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة سوية متكاملة، ما يؤثر سلباً على تكوين شخصياتهم. فهذه الصورة من صور النكاح خلاف الأولى وليست هي الصورة المثلى المطلوبة ولكنها تبقى مقبولة في بعض الحالات من أصحاب الظروف الخاصة. عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي