تجرى حالياً محاولات في قصيباء التي تقع على بعد 45 كيلو متراً إلى الشمال من بريدة، لإحياء جادة أثرية تحمل اسم"جادة قصيباء"بهدف إنعاش البلدان الواقعة شمال مدينة بريدة من خلال تسهيل الوصول إلى قصيباء التي عرفها التاريخ بأنها"دار عبلة". وتعتبر قصيباء خصوصاً ومختلف مدن الجواء عموماً من البلدان التي تنتظر دورها في خدمة السياحة الداخلية بما تحتويه من آثار قديمة وقصص وطنية تمثلها على أرض الواقع. وكانت قصيباء مورداً مهماً للمسافرين والحجاج قديماً، كما كانت من أهم موارد النخيل في المملكة، خصوصاً في القصيم، وهي بلد أثري يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، حيث سكن عنترة بن شداد، إذ لا تزال آثار قصره باقية حتى اليوم على حافة جبل قصيباء، فضلاً عن أنها كانت مقراً للملك عبدالعزيز أثناء مرحلة توحيد البلاد، إذ استقر بها قرابة الشهر عندما أراد غزو حائل عام 1340 ه. ويوجد في شمال بلدة قصيباء في الوقت الحالي محمية السديري التي تم تخصيصها لأبحاث الغزلان، إضافة إلى مشروع النعام ومشاريع دواجن الراجحي. واستمرت قصيباء في التواصل مع ملوك البلاد بعد زيارة مؤسسها الملك عبدالعزيز إذ زارها الملك سعود بن عبدالعزيز مرتين الأولى في عهد والده الملك عبدالعزيز والأخرى بعد توليه الملك. ويطلق على طريق قصيباء القديم الذي يصلها بمدينة بريدة"جادة قصيباء"وهو الطريق نفسه الذي سلكه الملك عبدالعزيز للوصول إلى حائل مروراً بقصيباء، وهذا الطريق تم تنفيذه سابقاً على اتجاه واحد. وينشط أهالي قصيباء لإحياء الطريق التاريخي من خلال مد طريق الملك عبدالله الرئيسي في بريدة الذي يقف على طريق حائل السريع عبر محاولة تنفيذ استمراره ليتصل مع طريق قصيباء المسمى طريق الملك عبدالله أيضاً وصولاً إلى بلدة قصيباء الأثرية بطول 40 كم، التي تبعد مسافة قصيرة عن سكة القطار الجديد. في مناطق القصيم الشمالية يجرفك الفضول وأنت تسلك الطريق شمال حاضرة القصيم، لتتعرف على بلدان الجواء التي وردت في معلقة عنترة بن شداد حين قال: يا دار عبلة في الجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلم. وعلى بعد 65 كيلومتراً شمال بريدة تظهر لك رؤوس النخيل وهي تلوح في الأفق وكأنها تصطف في بروتوكول استقبال رسمي إيذانا بدخولك بلدة قصيباء، فتعود بك الذاكرة إلى ما كتب عنها الرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية والمؤرخون، وتأخذ في ترديد القصائد التي أوردت اسمها لشعراء المعلقات والعصر الأموي. لترغمك على التجول في أرجائها، تستوقفك المناظر التاريخية بدءاً مما يروى أنه بقايا قصر عنترة بن شداد الواشم على سفح جبل قصيباء، حيث اختار مكاناً يشرف منه على المنطقة، بعد أن نصبته شجاعته حامياً لديار قومه مترصداً لأي عدو يقترب منها. ويشدك الحنين إلى الماضي البعيد مع رؤية الأحياء الطينية القديمة المترامية في أرجاء البلدة، وكثرة العيون والآبار الموغلة في القدم، وكثافة النخيل المتناثرة حولها. ويشخص بصرك وأنت ترى الأخشاب المتحجرة التي يقال ان عمرها يقارب 250 مليون عام، تحولت إلى أحجار لونها كلون طيب العود ومتمثلة شكله، تدق عليها فتسمع دندنة المعدن وتأخذ شكل الأشجار بسيقانها وأغصانها. وتجد مكانها فقط بعد أن نقلت إلى متحف الملك عبدالعزيز في الرياض لتشهد على عراقة الوطن وبلدانه. وذكر تركي القهيدان، باحث آثار في منطقة القصيم، أن الأخشاب المتحجرة تنتشر في الجانب الشرقي من البلدة، وتظهر بكل وضوح في مواقع عدة، وتتميز بضخامة وصلابة جذوعها، مؤكداً أن هذه الأخشاب المتحجرة تعود للعصر البرمي، إذ يتراوح عمرها التقريبي بين 250 و270 مليون سنة. وأضاف القهيدان المدير السابق لوحدة الآثار والمتاحف بتعليم القصيم أن ظهور تلك الأحافير في مواقع متفرقة يدل على أن المنطقة مر بها عصر مطير وعلى انتشار الغابات فيها، خصوصا أن بعض عينات الجذوع المتحجرة تتميز بإظهار الكثير من تفاصيل الأنسجة النباتية الخارجية والداخلية وحلقات النمو السنوية. وتعد قصيباء أو ما كان يطلق عليها سابقاً"قو"من أقدم البلدان في منطقة القصيم، إذ كانت منازل لبني عبس في الجاهلية وفي صدر الإسلام، ودل على ذلك ما قاله عنترة وهو يصف معركة وقعت بين قبيلته عبس وبني حنظلة.