قال الله تعالى:"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرّنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميراً"... هذا هو حال العراق اليوم، هذا البلد الذي مَنّ الله عليه بالخيرات والنعم التي يقل عدد البلاد التي يوجد فيها مثلها... بلد يزخر بثروات نفطية هائلة، وبنهري دجلة والفرات، تتقاسم أراضيه وتربته الزراعية 100 في المئة، وشعبه مليء بالكفاءات في شتى التخصصات العلمية النادرة... هذا البلد ابتلي بحكامه المتناحرين المتعاقبين على السلطة منذ الانقلاب الأول على الحكم الملكي وحتى يومنا هذا، بداية من الزعيم الاوحد عبدالكريم قاسم، الذي قاد انقلاباً دموياً لا مثيل له، وانتهاءً بصدام حسين ومعه حزب البعث، وما صاحب حكمه من كتم للحريات واعدامات لكل من يعارضه من اعوانه أو من شعبه، فجعل من نفسه"حجاجاً"آخر، بل اشد فظاعة وطغياناً وجبروتاً وغطرسة، فأموال بلده هو المتحكم فيها مع أبنائه واقربائه وحاشيته، والشعب المغلوب على أمره لا يستطيع أن يعبر عن استيائه من مصادرة الحريات وحقوق الإنسان، وإذا حدث شيء من مجرد التذمر فمصير صاحبه إلقاؤه في غياهب السجون والتعذيب الذي ما بعده تعذيب قبل المشانق والاغتيالات والتهجير ودفن الناس أحياء، أما هو وأسرته وحاشيته ففي نعيم مقيم قصور وبذخ من دون حساب!. لقد انهك صدام بلده وشعبه بحروب عبثية لا فائدة من ورائها، بل أهلكت النسل والحرث، ولم يكتفِ بذلك، فأراد أن يشغل جيشه ويلهيه لعلمه بأن هذا الجيش لن يغفر له جنونه ونزواته وما حل به من هوان واذلال، فكانت الطامة الكبرى والجريمة التي لا تغتفر وهي غزو دولة الكويت الشقيق... هذه الدولة التي وقفت معه في السراء والضراء وساندته بالغالي والنفيس، ولم يستمع لنصح الناصحين قبل الاجتياح وبعده، بل أخذته العزة بالإثم، وعاند وكابر وأصر على جريمته وكانت تلك هي بداية نهايته، إذ طُرد من الكويت شر طردة، وحطمت قواته تحطيماً، ودمرت البنى التحتية لبلده، وحوصر دولياً فلاقى شعبه الويلات والآلام والجوع والمرض... فهل أفاق بعد كل هذا من غطرسته وراجع حساباته وتصالح مع شعبه، وغيّر من ممارساته القمعية الدكتاتورية وانفتح على الجميع، ومارس الديموقراطية الحقيقية، وفتح صفحة جديدة مع الجميع، واحتوى كل معارضيه وأشركهم في الحكم، وفتح برلماناً حقيقياً تشترك فيه كل طوائف الشعب ومذاهبه المختلفة؟... وهل وزع الثروات على مناطق العراق من شماله إلى جنوبه ومد يده للمصالحة الوطنية الحقيقية؟ كلا لم يفعل شيئاً من ذلك... فحل به المصير الدامي الذي شاهده الجميع من إذلال وإهانة حتى وهو على حبل المشنقة، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً صدق الله العظيم. وها هو العراق، بعد الغزو الأميركي للقضاء على حكم صدام قد دمر أشد تدميراًَ، فالقتل فيه بالمئات يومياً والسلب والنهب والتفجيرات في كل مكان، واللاجئون من ويلات ما يحصل بالملايين... في ظل حكام أتوا على ظهور الدبابات الأميركية، لأنهم كانوا يعارضون حكم صدام ويتهمونه بالدكتاتورية والإبادات الجماعية، وهم يتشدقون بأنهم أتوا بالديموقراطية والأمن والأمان والرفاهية لشعبهم، ولكنهم في الحقيقة جلبوا الطائفية البغيضة وسلطوا أبناء الشعب العراقي بعضهم على بعض، وأوقدوا نار الفتن، حتى أن بعضهم خوفاً على حياته يتحصن داخل"المنطقة الخضراء"في ظل حماية المحتل، ومنهم من هو في أوروبا وأميركا وبعض الدول المجاورة لا يأمنون على أنفسهم من القتل. فأي خير جلبوه، وأي ديموقراطية حققوها؟... فالأشلاء والجثث مجهولة الهوية لا عدد ولا حصر لها، والمليشيات الطائفية تقتل بلا رحمة لا فرق بين طفل وكهل أو شاب وامرأة، إنما قتل عشوائي لم يشهده العراق من قبل، ميليشيات المهدي الشيعية تقتل السنة بلا رحمة، والقاعدة تقتل الشيعة، ورئيس الوزراء المالكي يتهم التكفيريين والصداميين والقاعدة، ولا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى إيران ودورها الواضح للعيان، فهي تمد كل الطوائف المتناحرة بالسلاح، ومليشيات القدس والحرس الثوري الإيراني يدرب القاعدة والشيعة ويشاركون في القتل والخراب وتسليط هذه الفئة على تلك! وهكذا تتآمر إيران على العراق وشعبه، لا يهمها إن قتل الشيعة جميعاً، لأن هدفها هو السيطرة على العراق وخيراته مع إضعافه وإنهاكه، وإن الممسكين بزمام الحكم الآن، وغالبيتهم من الشيعة، يعلمون تمام العلم هذ الدور الإيراني الخبيث في العراق. إن خلاص العراق مما يعانيه اليوم، واستعادته لحريته وسيادته في وقفة أبنائه الشرفاء وقفة رجل واحد، لا يفرقهم مذهب، ولا تخدعهم شعارات كاذبة أو انتماءات مزيفة، ويكون اهتمامهم منصباً على إخراج المحتل الغاشم إيرانياً أو أميركياً، ويعيدون العراق إلى عافيته واستقراره حتى يعود إليه الأمن والأمان والطمأنينة، وتغشى أهله المودة والرحمة. [email protected]