يُعرّف النظام ديوان المظالم بأنه هيئة قضاء ادارية مستقلة ترتبط مباشرة بالملك، واسند الى الديوان عدد من الاختصاصات المختلفة، منها النظر في دعاوى الحقوق المتعلقة بنظم الخدمة المدنية والتقاعد، ودعاوى الطعن في القرارات الادارية، ودعاوى التعويض الموجهة ضد الحكومة، ودعاوى المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة طرفاً فيها، وكذلك الدعاوى التأديبية التي ترفع من هيئة الرقابة والتحقيق، والدعاوى الجزائية ضد المتهمين في جرائم الرشوة والتزوير وغيرها، اضافة إلى النظر في طلبات تنفيذ الاحكام القضائية الاجنبية، وغير ذلك من الدعاوى التي يصدر بموجبها نظام خاص او تحال من مجلس الوزراء للنظر فيها. واستناداً الى ما سبق فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 241 وتاريخ 26-10-1407ه الذي نص على: "نقل اختصاصات هيئات حسم المنازعات التجارية المنصوص عليها في النظم والقرارات بما فيها المنازعات المتفرعة عن تطبيق نظام الشركات، وتوقيع العقوبات المنصوص عليها فيه اعتباراً من بداية السنة المالية 1408-1409ه الى ديوان المظالم". بعد ذلك، وتوسعاً لاختصاصات ديوان المظالم التجارية، فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 261 وتاريخ 17-11-1423ه الذي نص على: "تولي ديوان المظالم النظر في القضايا الناشئة عن الاعمال التجارية بالتبعية إلى حين إنشاء المحاكم التجارية"، ما يجعل ديوان المظالم، ومن خلال دوائره التجارية هو جهة القضاء التجاري في المملكة العربية السعودية. وتطبق الدوائر التجارية في ديوان المظالم قواعد المرافعات في الشريعة الاسلامية، اضافة إلى الانظمة القضائية المختصة مثل نظام المحكمة التجارية الصادر بالامر الملكي رقم 32 في 15-1-1350ه، وأما ما لم يرد فيه نص فيتم الرجوع في شأنه إلى نظام المرافعات الشرعية الصادرة بالمرسوم الملكي رقم م/21 وتاريخ 20-5-1421ه. وتصدر الدوائر التجارية أحكامها في القضايا المعروضة عليها بعد قفل باب المرافعة فيها، وتكتسب هذه الاحكام القطعية، وتكون واجبة النفاذ بمضي مدة 30 يوماً من دون الاعتراض عليها او تأييدها من هيئة التدقيق في الديوان. وبهذا تنتهي صلاحية الدائرة وتخرج الاحكام من ولايتها الى ولاية الجهات التنفيذية كإمارات المناطق والشرطة التي تتولى تنفيذ الاحكام بالطرق النظامية المعروفة، ولو ادى ذلك الى استعمال القوة الجبرية. فلا يتم الرجوع الى الجهة التي اصدرت الحكم الا وفق حالات معينة حددها النظام... ومن هذه الحالات ان يقع في الحكم لبس او غموض يحتاج معه الى التفسير، واوضح النظام مسألة تفسير الاحكام بصورة دقيقة وفق ضوابط واجراءات تكفل حقوق طرفي الدعوى على حد سواء، وعند البحث في ما يخص موضوع التفسير لدى الدوائر التجارية في ديوان المظالم وبعد النظر في نظام المحكمة التجارية، فإننا نجد انه لم يتطرق الى مسألة تفسير الاحكام التي نتحدث عنها، الا ان نظام المرافعات الشرعية نص في المادة 170 منه على: "اذا وقع في منطوق الحكم غموض او لبس جاز للخصوم ان يطلبوا من المحكمة التي اصدرته تفسيره ويقدم الطلب بالطرق المعتادة"، وجاء في اللائحة التنفيذية ما نصه: "170/1- على طالب تفسير الحكم ان يقدم بذلك خطاباً للمحكمة مصدره الحكم يحدد فيه وجه الغموض واللبس في الحكم. 170/4 لحاكم القضية ان يفسر ما وقع في حكمه من غموض او لبس من تلقاء نفسه بحضور الخصوم من دون تعديل له ويجرى عليه تعليمات التمييز". كما ان المادة 171 نصت على: "يدون الحكم الصادر بالتفسير على نسخة الحكم الاصلية ويوقعها قاض او قضاة المحكمة التي اصدرت الحكم، ويعد التفسير متمماً للحكم الاصلي ويسري عليه ما يسري على هذا الحكم من القواعد الخاصة بطرق الاعتراض"، وقد جاء في اللائحة التنفيذية: 171/1 "يكون تفسير الحكم في ضبط القضية نفسها، ويلحق ذلك على الصك من دون اخراج قرار مستقل بذلك ما لم يحصل اعتراض على التفسير فينظم به قرار". وعند التأمل في هذه المواد نجد انها اسندت مسألة التفسير الى الجهة التي اصدرت الحكم، الا انها اشترطت حضور طرفي الدعوى واتاحة الفرصة لهم للاعتراض على التفسير وفق القواعد الخاصة بطرق الاعتراض، وتحقيقاً لمبدأ استقرار الاحكام القضائية فقد نصت على عدم جواز ان يتضمن التفسير أي تعديل للحكم، ويمكن تعميم هذه الضوابط على الاحكام التي تصدرها المحاكم الشرعية والدوائر التجارية في ديوان المظالم على حد سواء. الا أن هذا التفصيل قد يصطدم بنص المادة ال33 من قواعد المرافعات والاجراءات امام ديوان المظالم الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 190 وتاريخ 16-11-1409ه التي جاء فيها: "اذا وقع غموض او ايهام في الحكم فلأي من ذوي الشأن ان يطلب من رئيس الديوان احالة القضية الى الدائرة التي اصدرته لتفسيره"، فإن هذا النص قد جاء مطلقاً في ظاهره، ولم يقيد الدائرة بأي شرط من الشروط التي اشرنا اليها، ولكن هذا التعارض يزول اذا عرفنا أن قواعد المرافعات والاجراءات امام ديوان المظالم هي قواعد خاصة بالدعاوى الادارية والجزائية فقط، ولا تشمل الدعاوى التجارية التي احيلت الى ديوان المظالم، الأمر الذي يوجب تطبيق شروط التفسير النظامية حتى على الاحكام التي تصدرها الدوائر التجارية في الديوان. على رغم ان الممارسة العملية تظهر لنا عدم التقيد الدقيق من بعض الجهات القضائية بهذه المواد التي تم ايرادها، وعدم وجود جهة يمكن لاطراف الدعوى الرجوع اليها للاعتراض على الاجراءات التي تصدرها الجهات القضائية بعد اكتساب الاحكام للقطيعة، الا ان العمدة دوماً على ما جاء به الشرع والنظام. عبدالعزيز بن عبدالله المحيني - محام [email protected]