يبدو أن الوحداويين في كل موسم لهم مع المشكلات الكبيرة موعد، ومع الأزمات الحقيقية وقت محدد، ومع الاختلافات الإدارية وحرب التصريحات النارية عادة تتجدد، بعد انتهاء مشوارهم في الاستحقاقات الكروية وختام مسيرتهم في المنافسات الرياضية المحلية التي توجوها في الموسم الرياضي الماضي بالحصول على المركز الثالث في مسابقة كأس دوري خادم الحرمين الشريفين وهو مركز متقدم لم يحققه الفريق منذ سنوات طويلة، ووصل إليه أخيراً بعد سلسلة من عروضه الأدائية الراقية، ونتائجه الإيجابية الرائعة، ومواهب لاعبيه الكروية الفذة التي لفتت الأنظار ونالت الإعجاب، واستحقت كل عبارات التقدير والاحترام من النقاد والمحللين والمراقبين والرياضيين في كل مكان. ولم يتوقع الجميع أن تصل حال الكيان الوحداوي العريق إلى ما وصلت إليه الآن، وتمر به في هذه الأيام من أزمات متوالية ومشكلات متلاحقة واختلافات متزايدة، ارتفعت وتيرتها عن حدها المعقول وأصبحت حديث المجالس في المجتمعات المكية، والمادة الدسمة التي تتصدر الصفحات الرياضية، والحدث الأبرز الذي أدهش الجماهير الوحداوية وأشغلها طوال الأيام الماضية، بعدما كانت تُمني النفس بأن ترى الاستقرار يخيم على أركان ناديها، والالتفافة القوية هي سمة شرفييها، والدعم المادي والمعنوي هو اللغة السائدة التي تتحرك الإدارة بها، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، بعدما دخل النادي في أكثر من أزمة فعلية وحقيقية في الأيام القليلة الماضية. وكانت أول شرارة أشعلت صيف الفرسان باكراً هذا العام رحيل المدرب الألماني ثيو بوكير إلى تدريب النادي الأهلي السعودي، بعد موسم ناجح بكل المقاييس مع"فرسان مكة"، إذ قدم الفريق في شكل منظومة أدائية أكثر من رائعة أسعدت الجماهير والعشاق والمحبين، وأرعبت الفرق المنافسة الأخرى، وانتصرت على الهلال والأهلي والشباب والنصر والاتفاق والقادسية والطائي والحزم والخليج والفيصلي، وكانت بحق أفضل فرقة كروية على أرضية الميدان، والحصان الأسود الذي أبهر الرياضيين وكسب تعاطفهم واحترامهم، بفعل روعة الأداء وارتفاع معدل الحماسة والعزيمة والإصرار، وثقافة الانتصار التي ارتسمت على أداء اللاعبين، ليكون رحيل بوكير بمثابة الصدمة الكبيرة لأنصار"الفرسان"وإدارة النادي، التي بذلت المستحيل من أجل إبقاء المدرب واستمراره مع الفريق، بيد أن رغبته في تدريب الأهلي الذي يقع قريباً من مقر سكنه كانت الفيصل في مسألة استمراره من عدمها، وابتعاده بشكل نهائي عن الفريق الوحداوي في الموسم المقبل. وجاءت مشكلة تجديد عقود بعض اللاعبين التي انتهت في الأسابيع الماضية لتلقي بظلالها مجدداً على مسيرة الكيان الأحمر، إذ انتهى عقدا قائد الفريق خالد الحازمي والظهير الدولي طلال الخيبري، ووقفت إدارة التونسي موقف المتفرج عاجزة عن تجديد عقد الثنائي الذي يمثل عنصر الخبرة في الفريق، بحجة عدم توافر السيولة المادية على رغم تسلّمها مكافأة المركز الثالث في استحقاق كأس دوري خادم الحرمين الشريفين المقدرة بمليون ريال، وقبلها شراء عقد لاعب النصر والفيصلي سابقاً سعد الزهراني، ما جعل الأمور تتأزم بين الثنائي وإدارة النادي، وتتوقف موقتاً في انتظار رد فعل اللاعبين اللذين تلقيا بعض العروض الاحترافية المغرية من بعض الأندية الكبيرة، تفوق ما سيحصلان عليه في نادي الوحدة، ما قد يحرم"الفرسان"من جهودهما الأدائية المميزة في الفترة المقبلة. وفجر رئيس النادي جمال تونسي الأوضاع الوحداوية بإعلانه الاستقالة النهائية من قيادة دفة الأمور الإدارية في ناديه، وأكد أن سبب الاستقالة هو شح الدعم المادي وخلو خزانة النادي، وعدم وجود المبالغ التي سيجلب بها النادي المدرب الهولندي فيرسلاين، ويجدد بها عقود الثنائي السنغالي حمادجي وإنداي، والرباعي المحلي الحازمي والخيبري وأسامة هوساوي وعساف القرني، قبل أن يعود مجدداً ويعطي شرفيي النادي فرصة أخيرة لمدة أسبوعين لتدارك ما يمكن تداركه، وتوفير الدعم اللازم وإلا فسيقدم استقالته رسمياً، وكان التونسي يتوقع أن يحدث قراره ردود أفعال إيجابية بين الوحداويين، لكن المفاجأة أن الردود كانت سلبية، إذ استغل عدد من أعضاء شرف النادي الموقف ورحبوا برحيل التونسي، مؤكدين أن سياسته تهدف إلى الضغط على أعضاء شرف النادي لتوفير الدعم وإلا فسيبيع ناصر الشمراني إلى أحد أندية الوسطى الكبيرة، وهذه مشكلة كبيرة، مطالبين برحيله عن النادي أو الحفاظ على كنوز"الفرسان"ومكتسبات الوحدة من الجيل الحالي. وقدم مدير الكرة علي الأحمدي استقالته النهائية قبل يومين، مؤكداً أنها بسبب ظروفه الشخصية، وهنالك أنباء عن رحيل مساعد المدرب حاتم خيمي إلى خارج السعودية لإكمال دراسته، وهكذا بدأ العقد الوحداوي الفريد الذي خطف أنظار المتابعين في التساقط، ومؤشر النادي يزداد احمراراً، ومرحلته المقبلة من أخطر المراحل، في حال استمر الوضع كما هو عليه، وتواصل ابتعاد أعضاء الشرف عن ناديهم الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق إحدى البطولات الذهبية في الموسم الرياضي الماضي.