إن العالم اليوم يعيش معاناة نفسية صعبة، خصوصاً"الجنس الرقيق"، هو من تشكل هذه الأزمة بالنسبة له أمراً مقلقاً، غدت السمنة مرضاً عضالاً وداءً متفشياً لابد من الاستطباب منه عاجلاً، وأصبحت ذوات الكيلوات الزائدة يشعرن بعقدة من النقص أمام ذوات القدود الفاتنة والأجسام المياسة. ما كنت أفكر فيه هو بعد سماعي لقصة رجل حديث عهد بزواج، أعاد زوجته إلى بيت أهلها بحجة أنها لا تجيد الطبخ والنفخ، بينما لم يصل إلى مسمعي قصة رجل أعاد زوجته لكونها لا تحسن الصلاة وامتلأت المصحات الأهلية بمن يدعى طبيب تغذية وكل ما في الأمر أنه ينظم لك ما تأكل من دون أن يصنع المستحيل، أو قل: ربما لا يعطيك الحمية المجدية حقا،ً ولكن اندفاع طالب الرشاقة نحوها قد يجعل عدداً من تلك الكيلوات الزائدة يودع جسمه رغماً. اطلعت على عدد من الحميات، فإذا هي خسارة للأموال قبل كل شيء، لا أدري لماذا لا يحلو الكباب المشوي والمتبل المدخن إلا في وجبة العشاء لليوم الأول من الحمية؟! واليوم التالي دجاج مسحب على الفحم مع حواذق خليجية وسلطة تايلندية! والإفطار فريد لا مثيل له: شريحة جبنة سويسرية ونصف حبة أفوكادو وكعك العسل والزبيب، وهكذا. كلما كثر الطلب على النحافة زاد فضاء الجيوب، وكلما قل الطلب قل الإنفاق، ولو تدبرنا قليلاً الهدي النبوي الكريم لوجدنا السبيل إلى الرشاقة من دون عناء ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه أما نحن الآن فكلّه لطعامه، ثم يضغط عليه قليلاً للشراب، والتنفس حينها لا يكاد يكون... ويصعب الركوع ويتعسر السجود ويضيق ذرعاً فلا يستطيع بياتاً ولا يطيق حراكاً. أعجب حقيقةً حين أتجول في شوارع العاصمة فما من طريق إلا وعلى رأسه مطعم وفي وسطه للوجبات السريعة وفي ذيله أيضاً آخر، وراجت تجارة البطون، وانقلبت المفاهيم بعدها، فبدل تربية العقول غدا الشائع تربية البطون ? بلا مبالغة - فأصبحت معادلة ذات?حدين فقط، أكل = حياة هانئة، وأصبحت متعة الحديث الأكل، ومتعة القراءة القرمشة، ومتعة السفر بالحلوى، ومتعة الاجتماع القهوة، وهكذا.. وانتفخت البطون وضألت العقول، وبتنا نشتكي بلادة الإحساس وصعوبة الاستيعاب وبطء الفهم، وتفنن أصحاب المواد الغذائية في جذب زبائنهم، فهذا لبان للهضم ولبن للهضم وفواكه للهضم وخبز للهضم، ولم يبق إلا لحم للهضم وأرز للهضم وكعك وشوكولاتة للهضم أيضاً، ومن ثم سيعرض لنا أصحاب المطابخ مفطحات لا تحتاج للهضم أصلاً، ولا تلم ? عزيزي القارئ - كل سمين، إذ غدت كلمة خالٍ من السكر الفرج بعد الشدة والسعة بعد الضيق ويتنفس المسكين الصعداء حين يراها، وكأنها فرصة لا تعوض وغنيمة لا تفوت في الخروج من زحمة المأكولات السكرية وكثرة الممنوعات، وما درى أنها مجرد لعبة سهلة مغرية له ولأمثاله، ولكن ما بالنا نسينا أو تناسينا أن مقصود الخالق من الخلق هو العبادة، ووجود الطعام للتقوى لا للعيش لأجله فقط، وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم... ولتلحظ: فقد سماها طيبات وبعّضها أيضاً ولم يقل جل وعلا: كلوا كل الطيبات، فارعووا يا رعاكم الله، ولنقلب المنظار لنرى الدنيا صحيحة، فالأساس هو تربية العقل على النهج الديني السليم، ونحن نأكل لنعيش لنعبد الله على بصيرة، لا نعيش لنأكل لنلهو بنعم الله. وبل بنت محمد العمرو كاتبة وباحثة