هذه المعدة التي يفترض أن تستمتع بساعات عمل أقل في شهر رمضان المبارك بعد 11شهرا من العمل المتواصل في هضم ما يمكن هضمه وما نجبرها على هضمه طوال ساعات اليوم، حتى إن متعة مشاهدة التلفاز لا تكتمل إلا بصحن ممتلئ بالبطاطا المقلية و«برميل» من المياه الغازية في غير أوقات العمل! ها نحن اليوم لا نمنحها راحة كافية بتقليص ساعات العمل لها, فكل ما يحصل أننا نغير من تكتيكنا الغذائي فقط فور سماعنا لجملة «بيان من مجلس القضاء الأعلى» فنتوقف عن الأكل إجباريا ما دامت الشمس تدغدغ كبد السماء! إلا أنه وفور اشتباهنا بسماع صوت يشبه صوت المدفع، فإن المعدة المسكينة ستفاجأ بالكميات المهولة والقاطرات الغذائية التي ستباغتها دون استئذان ولا تمهيد ومن كل حدب وصوب «سمك لبن تمر هندي» ما يدفعها للتوقف عن العمل لأسباب تعود إلى سوء الاستخدام والحمولة الزائدة! فنقضي بقية يومنا ذاك في التهام كل الأدوية التي نظنها ستحل المشكلة! كأننا أيها السادة ننتقم من ساعات صومنا النهارية بالتحلق ليلا حول مائدة ينتهي آخر شبر منها في الغرفة المجاورة! تحوي أكثر من ثمانية أنواع من الطعام وثلاثة أنواع من الشراب! وما إن ينقشع غبار تلك المعركة حتى نصبح في حاجة إلى مختص في مجال الإسعافات الأولية لمساعدتنا في عملية التنفس! وتلك المائدة الممتلئة التي ستراها يوميا مهما تغير الزمان أو المكان كافية جدا لجعل مؤشر الميزان يقفز إلى أعلى مستوياته عند بعض الأشخاص! إلا أنه سيتوقف عن العمل عندما يداعبه أشخاص آخرون! ما يؤهلنا لتوديع شهرنا الكريم بأجساد تتراوح أشكالها ما بين المستدير والبيضاوي! بقي أن أذكر أن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»!