يروى عن الشيخ محمد عبده، انه ذهب الى فرنسا للدراسة، وفي أحد الأيام شعر بالجوع، فاتجه إلى أحد المطاعم، واخذ له كرسياً ينتظر وجبته التي لم تتأخر كثيراً، وكعادة العرب"شمّر"عن ساعديه وبدأ يأكل بيديه في شراهة، مستغنياً عن الشوكة والسكين اللتين تعدان من أساسيات المائدة في الغرب آنذاك طبعاً، لا سيما في باريس عاصمة النور، كما يتم تعريفها... لكنه لم يستغرق طويلاً في طعامه حتى انتبه الى رجل يقف عن يمينه وآخر عن يساره، فسألهما، والحيرة تبدو عليه عن مبتغاهما، فقال له الأول:"أنت حيوان"، وقال له الثاني:"أنت حمار"، وعلى الفور أدرك الشيخ سبب ذلك الهجوم بفطنته، وبسرعة بديهته التي عرفت عنه، وبادرهما بقوله:"وأنا بينهما"! لا أعلم لماذا يخطر لي موقف الشيخ محمد عبده هذا، كلما سمعت مناقشة عن المرأة بين تيارين أحدهما يعتبرها ورقة بيده، ويسعى لتوظيفها في خدمة أفكار تراوده، من خلال دفعها الى القيادة وخلع الحجاب ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وآخر يعتبرها ك"متاع"ويُجاهِر بهذا الرأي من دون حياء، وبينهما تقف المرأة حائرة فلا هي فوّضت هذا، ولا منحت الآخر الصلاحيات للتحدث عن قضاياها. لكن لا يمنع أن من النساء من وقعت في الفخ الذي نصب لها فآمنت، أو بالأحرى استسلمت لأحد التيارين، ما سمح بالتلاعب بقضاياها بمباركة منها، لذلك لن نستغرب بقاءنا أسيري تلك الجعجعة التي تطلقها سعوديات"الجنسية"، يعملن في محطات فضائية ويتحدثن وكأنهن قادمات من المريخ، ويَكِلنَ التهمَ للمجتمع وأعرافه، وقودهن طبعاً سيدات غير مطالبات سوى كشف ما تيسر، وترديد بعض الجمل، مثل"المطالبة بقيادة السيارة، ومنح المزيد من الحريات"! وحقيقة لا أعلم أي نوع من الحريات، وطبعاً لا ننسى التهجم على"هيئة الأمر بالمعروف"، ليكتمل السيناريو البغيض الذي مللنا تكراره. لا شك في أن موضوع المرأة من المواضيع الشائكة وذات حساسية مفرطة، ولا أخال أحداً لديه الفرصة لتعظيم دورها، يتأخر عن استغلالها، لكن ما يصيب بالحيرة أنهن ومن يدعي مناصرتهن، يبحثون عن حل لإشكالات وقضايا لا يعرفونها وغير متفقين عليها، لذلك غالباً ما نجد مشكلات المرأة السعودية تُختزلُ في"قيادة السيارة"وقضايا ثانوية بسيطة... هي أبعد ما تكون عن حاجاتها الفعلية والآنية، وعندما نقول بسيطة لا نقصد أنها لا تستحق المناقشة، بل لا أن يُستأثر بها ويتم تقويمنا من خلالها. ببغاوات قيادة المرأة وحجابها الذين تتقاذفهم الفضائيات، وأشبعونا غثاء بأطروحاتهم التي يتأبطونها من فضائية لأخرى، لعمري تلك أكبر إساءة تُوجّه للمرأة أن يدعي تبني قضاياها مَنْ هم غير مؤهلين لمثل هذا الدور، فهم لم يتمكنوا من نفع أنفسهم ومحيطهم، فهل يمكن أن تُرتَجَى منهم الفائدة؟ رجاء سيدات"البوتكس"والشعر المستعار وعيون القطط، صنَّ"عملياتكن"عنا فنحن بشر، ولدينا ما هو أكثر أهمية من تقويم نجاح تلك العمليات والبحث في قضايا ثانوية! [email protected]