كانت لعبة كرة القدم غير مرغوب فيها بتاتاً في مدينة الرياض، وكان من يزاولها يوصف بأنه إنسان غير سوي، كما كان ينظر إليها على أنها مضيعة للوقت، وكان الناس يطلقون على من يزاولها باللهجة الدارجة"داشر"أي شخص غير سوي. ودائماً ما كان الآباء يحذرون أبناءهم من مزاولة لعبة كرة القدم، وهو ما دعا الشباب إلى التنكر عند الخروج للعب، فكان من يريد مزاولة اللعبة يضع ملابسه في حقيبة صغيرة يقذف بها من إحدى النوافذ إلى خارج المنزل، ثم يخرج بملابسه المعتادة الثوب ويلتقط حقيبته ويذهب إلى المعب، أما عند العودة المشروطة قبل أذان المغرب، فإن الشاب كان يحرص على أن يعود قبل عودة الأب ليتخلص من الملابس بطريقة سريعة. كم كان مضحكاً ذلك المنظر والبعض يرتدي الملابس الرياضية وبعد ذلك يرتدي الثوب ويخرج أمام أنظار والديه على أنه ذاهب ليلعب في الحي مع بعض الزملاء. أتذكر أنه عندما يقوم أحد اللاعبين بقذف الكرة إلى احد المنازل تعود علينا الكرة وقد تم تمزيقها إرباً، ونظراً إلى خسائر مزاولي اللعبة المتكررة، فقد تم إصدار قرار بأن من يتسبب في تسديد الكرة إلى داخل أسوار أي منزل يدفع قيمتها لإحضار كرة بديلة. وكم واجه مزاولو اللعبة مصاعب في مدينة الرياض، لكي يقنعوا الآباء بالذهاب إلى الأندية، وأذكر أن والد أحد اللاعبين ممن أسهموا في تأسيس أحد الأندية وعمل فيها لم يسمح بتسجيل ابنه في النادي، على رغم أن ابنه من المواهب المميزة في كرة القدم، ولكن خوفاً من أقربائه، فضل أن يبعده عن التسجيل في النادي. وأخيراً، ومع التطور الذي شهدته الرياضة السعودية والاهتمام الذي تحظى به لعبة كرة القدم من الجميع تغيرت المفاهيم كثيراً، لدرجة أن معظم الأسر لا تدخر مجهوداً في تحقيق رغبة أبنائهم في الانخراط في الأندية، بعد أن أضحت الأندية وممارسة كرة القدم مصدر رزق للاعب وتأمين مستقبله، وهو ما جعل اللعبة تجمع بين العلم والعمل، وهنا لا بد من أن نهنئ أنفسنا على ما وصلت إليه الرياضة في بلادنا. ومضة ظل الإعلاميون يرددون فترة طويلة أن اللاعب السعودي ينال راتباً أعلى من بعض المناصب القيادية في جهات بارزة، والمسألة لم تعد تقتصر على الرواتب، بل على مقدمات العقود والانتقال وخلافه، والتي وصلت إلى عشرات الملايين، وأتساءل: هل ما زلنا نتعامل مع المواهب الناشئة على أنها ثروات محتملة لنصنع ثروة كبيرة، أم ننتظر أفراداً يبزغون هنا أو هناك ثم نتنافس عليهم؟ [email protected]