تشهد دول المنطقة عامة نمواً سريعاً في تزايد أعداد السكان وبخاصة العواصم والمدن الرئيسية، وهو ما يستدعي توفير المساكن حيث يأتي دور فن صناعة العقار. وصناعة العقارات قديمة قدم التاريخ وقدم حاجة الإنسان إلى السكن، وهي في الوقت نفسه حديثة حداثة العصر الذي نعيشه والذي شهد تطوراً في الصناعة الذاتية للعقار سواء من حيث قيام الفرد ببناء بيته لنفسه أو قيامه بالبناء للغير، حتى تطورت عملية البناء إلى أن أصبحت فناً من الفنون المعمارية مدعومة بالمهارات والإبداعات في فنون العمارة، سواء في طريقة بناء الأبراج أم ناطحات السحاب، ولكن يجب أن نلقي الضوء على قضية مهمة للغاية، وهى لماذا نقوم بالتركيز على مكان واحد عند بناء الأبراج. ويعد النمو السكاني في المملكة من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، ولذلك تتزايد الحاجة وباطراد إلى التوسع في مشاريع السكن اللائق والمكاتب الإدارية المناسبة، والتي من المتوقع أن يبلغ إجمالي الطلب عليها خلال السنوات الخمس المقبلة ما يعادل 5, 1 مليون وحدة سكنية. ولقد أكدت الخطة التنموية الحالية أن المملكة تحتاج إلى بناء نحو 4 ملايين وحدة سكنية خلال العشرين عاماً المقبلة، ولذلك تحتاج الفترة المقبلة إلى مبان سكنية حديثة، وتناسب جميع الدخول والمستويات، وتستطيع بخدماتها أن تلبي رغبات وطموحات العيش في مسكن راقٍ، وفي موقع مميز، وهذا لن يحدث في ظل هذا التمدد العمراني الأفقي غير المدروس، والذي لا يتوافق مع التخطيط العمراني للمدن بالمملكة، ممثلاً في بناء عقارات، بل وأحياء بأكملها خارج النطاق العمراني وبعيدة عن الخدمات والأمانات والبلديات، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي وأسعار مواد البناء، وزيادة القيمة الإيجارية للوحدات السكنية والمكتبية بشكل مبالغ فيه، ولذلك يحتاج القطاع العقاري إلى تطوير خدماته واستقطاب العديد من الاستثمارات المالية الكبيرة وضخها تجاه التوسع العمراني الرأسي، وبناء وتشييد أبراج سكنية وإدارية تصبح عنواناً لنهضة عمرانية واقتصادية جديدة، بإطلالاتها على الشوارع والميادين الرئيسية والحيوية، وخدماتها المميزة، كتوفير مراكز دائمة للصيانة، وضمان أعلى مستويات الجودة والصيانة من وجهة النظر البنائية، وتركيب أجهزة أثناء مرحلة البناء والتشييد للمراقبة الاستشعارية للمبنى، والتعرف على المخاطر التي قد تواجه المبنى في أي جزء من أجزائه المختلفة، وهذه مسألة مهمة حتى يتسنى قياس مدى سلامة المبنى والحفاظ عليه، إضافة إلى أن يكون تصميم هذه الأبراج متسماً بالطابع الذي يتناسب مع طبيعة مجتمعنا الإسلامي، بحيث ينبغي أن تتصف كل وحدة من وحداته بالخصوصية والاستقلالية، ومن الممكن أيضاً أن يكون لكل مدينة من مدننا طابعاً خاصاً مميزاً لها في شكل العمارة وتصميم الديكورات والألوان المميزة لها، فتوفير المسكن المناسب والوحدة الإدارية المميزة بات مطلباً ملحاً لجميع أفراد المجتمع في كل مدن المملكة، وفي ظل ارتفاع تكاليف وسائل الاتصال بين الأماكن السكنية ومراكز تقديم الخدمات أصبح التوجه نحو التوسع الرأسي أمراً ضرورياً، لأنه سيعالج مشكلات كثيرة ويستفيد منه جميع الدخول والمستويات، هذا إضافة إلى خلق ثقافة عمرانية جديدة وإحداث نقله نوعية مميزة في إنشاء وتصميم تشكيلات عمرانية تهتم بالواجهات والألوان والعمارة الهندسية الجميلة، والتي تدعو إلى الحياة الاجتماعية التعاونية الحية بدلاً من الأراضي الفضاء المخططة في جميع مدن المملكة، وسواءً كانت هذه المخططات مباعة أو غير مباعة فهي تظل سنوات وسنوات أراض فضاء خاوية بلا حياة ولا تجمعات بشرية تستطيع أن تستفيد من الخدمات والمرافق التي تنشئها الأمانات والبلديات بملايين الريالات ثم يغطيها التراب بعد ذلك وتصبح أموالاً واستثمارات مهدرة بلا أدنى استفادة منها، فالتوسع الرأسي في البناء والعمارة أصبح له من الفوائد ما يدعونا إلى الاتجاه نحوه وبقوة، فنحن نحتاج إلى الاتجاه نحو فكر جديد في عملية البناء والتشييد، والخبرات الموجودة في المملكة، سواء الخبرات المحلية والأجنبية، تستطيع أن تقدم لنا الكثير والكثير في مجال العمارة العمودية، خصوصاً أن هناك تقدماً ملحوظاً في مختلف قطاعات السوق السعودية التي ستنشط أكثر مع نشاط سوق الأبراج العمودية الجديدة. * مستثمر وباحث في الشأن العقاري.