زوبعة غلاء الأسعار والتي مرت بها الأسواق الغذائية السعودية وحلقات الخضار، لم تمر بسوق النكاسة في مكة. هذه السوق التي تجد فيها كل أنواع الخضار والفواكه التي تزرع في السعودية بلا استثناء، وكل أنواع اللحوم البحرية التي يمكن صيدها من البحر الأحمر. ولحم العجل والخراف والدجاج لا تغيب أيضاً، فهي حاضرة في سوق السمك. قبل سماع الأسعار، سيلفتك الجمهور الحاضر بشتى أجناسه. العدد مهول، حتى إذا كان اليوم هو الاثنين. لا يمكنك عد البسطات التي تبيع الخضار. ستدخل عالماً آخر بمجرد عبورك الشارع الذي يشبه أي شارع رئيس، متوجهاً إلى السوق. البسطات متقاربة جداً. ما تعرفه وما لا تعرفه من الخضار والفواكه موجود. هذا يناديك والآخر يجذبك. إذا سالت عن سعر كيلو الطماطم مثلاً، فستظن أن لا حاجة إلى تسويق البضاعة. ريالان لكيلو الطماطم. ثلاثة ريالات لكيلو البرتقال، وربما ريالان أحياناً لو فاصلت. وإذا طلبت كمية كبيرة فربما ينخفض السعر أيضاً. عند ال?11 مساء تنخفض معظم المنتجات هناك إلى النصف. لا يرغب البياعون كما يقول أحدهم، في رجيع بضاعته. كل بضاعة تباع في يومها. لا تستغرب لو باعك أحد كيلو الباذنجان بأرخص من زميله. المهم هو البيع هناك. تمشي في هذه الزحمة، والبايعون يحاولون قدر الإمكان"سحبك"إليهم، على رغم أن المشترين كثر، لكنهم لا يرغبون في تفويت مشتر. أحسّ عامر بالألفة. أخرج كاميرته وبدأ بالتقاط الصور. شجعه ابتسام الناس. هذا يرفع"الخس"ويطلب صورة، وذاك يفتعل البيع أمام الكاميرا. تسمع"نيوز بيبر". وتسمع كلمة"جريدة". طوقنا بعض المراهقين ومشوا إلى جانبنا. بعد قليل سننحرف إلى اليمين. سنتوغل في سوق السمك. تجد كل أنواع اللحوم البحرية. كيلو"سمك الناجل"الذي يباع في جدة ب?25 ريالاً على الأقل، يباع في النكاسة ب?13 ريالاً. حين تسأل وتتجاهل، ينخفض السعر بسرعة إلى 12 ريالاً، لو فاصلته فلن يمانع ربما ببيعه ب?10 ريالات، المهم أن تشتري. في المطاعم بين طريق المدينةومكة يباع كيلو"الناجل"ب?70 ريالاً! هل هذا غريب؟ لمَ تتهاوَ الأسعار في النكاسة؟ ومن يعمل فيها؟ الحديث مع معظم البرماويين والبنغاليين في سوق النكاسة صعب، على رغم سماحتهم. هم هنا ليبيعوا، لا ليتحدثوا. أحد بائعي الخضار، يجيب:"أنا في ازرع كل هذا". إذاً البياعون فلاحون وبياعون في آن. الرجل الذي أصر أن يبيعنا"سمك الناجل"وسألنا كم نريد أن ندفع، يقول:"صديق أنا، سوي صيد اليوم صباح". حسناً... هل هذه هي الأسباب الوحيدة، لانخفاض الأسعار؟! معظم البسطات في سوق النكاسة، إذا لم تكن كلها غير مصرحة. وموظف أو موظفين من البلدية لن يقدروا على ردع أحد هنا. تحتاج إلى جيش جرار من البلدية والشرطة، وما ستصادره لن يكون سوى مجهود يوم. وسيعود البياعون في اليوم التالي، هكذا بكل بساطة، فهم يبحثون عن رزقهم هنا. يبيعون حتى للسعوديين من الطبقة الكادحة الذين لم يسمعوا حتى بغلاء أسعار السلع الغذائية، هنا في سوق النكاسة. أحدهم يقول:"إذا جاءت البلدية هنا، فسيكون مصيرهم الضرب"!