يعتبر العمل والنشاط التطوعي الخيري مساراً مهماً لقياس نمو وتطور وتنمية الحضارات والمجتمعات كافة، فكما تقاس الحضارات والمجتمعات بالتقدم والرقي تقاس كذلك بتجاربها وأرصدتها من العمل التطوعي. وللاسف الشديد، تتميز حياتنا المعاصرة بالمادية البحتة والركض واللهاث المحموم وراءها، ولكن وبحمدالله وفضله نرى امثلة رائعة تبين لنا ان الخيرية في هذه الامة باقية، نرى قناديل تضيء الطريق لفتح المجال للناس للعمل الخيري والتطوعي، وما زال مجتمعنا يعطي وبزخم نماذج وطنية رائعة، وراقية وشامخة يُحتذى بها. ومن الامثلة الرائعة في تاريخنا الاجتماعي في هذا الوطن الكريم، الذي يقدر فيه ولاة الامر، بل ويدعون الناس للعمل التطوعي والخيري، كلاً بحسب قدرته وسعته، إن الشيخ عبدالله العلي النعيم يُعرف بموسوعة العمل الخيري والتطوعي، وهو من جنود هذا الوطن الكريم المعطاء، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين، يحفظهما الله، وأمير منطقة الرياض الامير سلمان بن عبدالعزيز، فهم من أعطى للشيخ النعيم القوة والثبات ليكون قدوة حسنة للمواطن الصالح. لقد علمنا الشيخ النعيم تأسيس العمل الخيري والتطوعي، من عمل بسيط لعمل مؤسساتي منظم ومنتج، ولا أدل على ذلك من قيام مؤسستين من ارقى وأنجح مؤسسات مجتمعنا السعودي، وهما مركز الأمير سلمان الاجتماعي في الرياض، والجمعية الخيرية الصالحية في"عنيزة"، وغيرهما، فمن منسق لأعمال اللجنة السعودية التي اشرفت على رعاية إخواننا الكويتيين ايام الغزو العراقي المشؤوم على بلادهم وغيرها من الجهود التطوعية التي تقف شاهدة على فكره الخيري والتطوعي. الشيخ عبدالله النعيم قام أخيراً برصد العمل الخيري والتطوعي في سفر رائع عنونه ب?"العمل الاجتماعي الخيري التطوعي مع التركيز على العمل التطوعي في السعودية"، هذا السفر القيم يعتبر نقلة نوعية في فكره من مرحلة العمل الميداني التطوعي والخيري لمرحلة أسمى وأكبر، وهي ومرحلة التنظيم والتنظير، فهو لم يأتِ من مكتب الاستاذ الاكاديمي لينّظر لنا العمل التطوعي، وانما هو عصارة جهد وتجارب حياة ونضوج فكر، فكان تتويجاً لحياة مليئة بالتطوع والعمل الخيري المنظم والمؤسساتي. وهذا الكتاب في جزء منه يحكي لنا فيه الشيخ تجربته وممارسته للعمل التطوعي الخيري، ورصد في ثنايا هذا العمل الرائع تجارب ونماذج راقية من العمل التطوعي الخيري في السعودية، منذ قيام كياننا الشامخ على يد الملك المؤسس، طيب الله ثراه، ليومنا الحاضر، وفيه يتابع الشيخ النعيم تطور ونمو الجمعيات الخيرية والتطوعية السعودية، بخلاف مناهجها وتخصصاتها، وهو بذلك يعتبر مرجعاً علمياً في المكتبة العربية في هذا الحقل النادر... لأن هذا السفر الرائع يدلنا ويوجهنا على بث ثقافة التطور باعتبارها من الضروريات لهذا العصر، وفيه رصد لنماذج عدة من الجمعيات الخيرية والتطوعية في"مملكة الإنسانية". لا يقتصر التطوع على جمعيات البر وتحفيظ القرآن الكريم مع أهميتها القصوى للمجتمع... ولكن يجب الالتفات للتخصص وسد الثغرات في المجتمع، مثل جمعية للأيتام، وأخرى لمرضى السرطان، وثالثة للمعوقين، ورابعة لرعاية السجناء وأسرهم، وغيرها، جميعها مهمة وضرورية للمجتمع ككل، بحيث يصبح لنا تكامل، وهذا ما تصبو إليه القيادة الرشيدة وكل مواطن محب لثرى هذا الوطن الطيب. يعلمنا هذا الكتاب الرائع أهمية تعليم الأجيال ثقافة التطوع، بأن يتعلمها الطالب تلقيناً منذ بداية مراحله الدراسية، وينمو معه حب هذا العمل وبذل النفس والمال والجهد لخدمة الآخرين، كما حضنا ديننا الحنيف في كثير من المواضع على الاهتمام بالفقراء والمساكين والأيتام. إن الشيخ عبدالله النعيم عَلم اجتماعي يقضي وقته بعد تقاعده في الأعمال التطوعية والخيرية، فالتقاعد يجب أن يكون البداية لممارسة عمل منظم وممتع"مثل التطوع"وليس نهاية المطاف. دكتور/ يوسف أحمد الرميح وكيل كلية اللغة العربية - والدراسات الاجتماعية - جامعة القصيم مستشار إمارة منطقة القصيم