"لنتأمل جيداً كلمة History وتعني تاريخ، نجدها مكونة من جزءين, الأخير منها"story"أي قصة. التاريخ قصة، وتقليبنا صفحات التاريخ يجعلنا نتذكر ونعيش قصص الأقوام والشعوب التي عاشت قبلنا, ويساعدنا أن نفهم من نحن وماذا أنجزنا؟ عندما ندرس التاريخ، نتعلم قصصاً عن رجال عظماء ونساء عظيمات, ولا يقتصر التاريخ على قصص الرؤساء والملوك بل يمتد لحياة أشخاص عاديين من مزارعين وجنود وأساتذة وفنانين وأطفال. يحكي التاريخ كيف تغيرنا وكيف بقينا على ما نحن عليه؟ فالتاريخ قصة كل شخص منا". هكذا أتى توضيح معنى كلمة"تاريخ"في أحد الكتب التربوية التعليمية لطلاب المرحلة الابتدائية الباكرة في أميركا. نتساءل لماذا يعرف الكثير أو بعضنا معلومات مختلفة في تاريخ البلاد الأخرى، مثل تاريخ أميركا, سواء كان في تاريخها نفسه, أو عن رؤسائهم وزوجاتهم، سياسة الدولة، ثقافتهم وتقاليدهم, تاريخ السينما الأميركية، في حين لا يعرف الأشخاص العاديون الأميركيون عن تاريخنا شيئاً، هل لأنهم يعيشون في عالمهم الخاص ويشعرون أن تاريخنا لا يستحق المعرفة؟ أو يعتقدون أن ليس لدينا تاريخ غني؟ أو هل لأن الإعلام عندهم لا يسلط الضوء إلا على أشياء معينة؟ أو هل لأنهم غير مثقفين أو مطلعين؟ دُرسنا"بالأصح لُقنا"في المدارس تاريخ أنبيائنا, عليهم أفضل الصلاة والسلام، عن ديننا الإسلامي، تاريخ المملكة العربية السعودية، عن الحروب والفتوحات التي حصلت منذ عهود بعيدة جداً. ولكن أُهمل الكثير من الشخصيات والوقائع, إذ لم يهتم أحد بتخصيص لحظات للتوقف عندها والحديث عنها. وقعت أحداث مهمة جداً, واندلعت حروب تركت وراءها أضراراً وخيمة, غيّرت من تاريخنا سواء حدثت عندنا أو في دول أخرى، وكان لها تأثير عميق علينا, فصنعت حدثاً تاريخياً مهماً وقسمت التاريخ إلى"قبل وبعد". أُلقيت خطب قيمة ومؤثرة في مناسبات عدة من قِبَل شخصيات مهمة كان لها وقعها، غيّرت الكثير من السياسات، وأضافت جديداً إلى التاريخ.كثير من هذه القصص لم نجدها مدونة في كتبنا, أو شاهدناها تُناقش في إعلامنا، سمعنا عنها من أهالينا أو من الأشخاص الذين عاصروها. درسنا عن شخصيات عظيمة من دون شرح ومناقشة ما الذي جعلهم عظماء, وكنا نطالب بحفظ تاريخ يوم وفاتهم من دون التطرق للأسباب التي كانت وراء موتهم المأسوي، ولم تكن هذه الأسباب غامضة. يقول الأستاذ تركي الحمد في كتابه ويبقى التاريخ مفتوحاًَ:"إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إعطاء التاريخ صورة مخالفة للصورة التي وُجد عليها التاريخ في واقع الحال، وذلك مثل إعطاء أحداث معينة أو أشخاص معينين صورة فيها الكثير من الاختزال والتضخيم، وذلك بحسب الغرض المراد، وبهدف التركيز على نقطة هنا أو التقليل من شأن نقطة هناك، أو بث عاطفة في حادثة هنا وقتل الحياة في حادثة هناك ... وهكذا". إن الكثير من الأشخاص العاديين, سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً على اختلاف مواقعهم، قاموا بعمل إنجازات مهمة ومفيدة، ما جعلهم عظماء يُستحق ذكرهم وإضافتهم إلى التاريخ، ولكن مع الأسف لم يلتفت إليهم أحد. هذه بعض النقاط المفقودة في تاريخنا، أشعر وكأنني أقرأ كتاباً مُزقت بعض صفحاته وألصق به صفحات من كتاب آخر. إذا كان الكثير من الأحداث والقصص بقيت في طي الكتمان من دون تدوينها في كتبنا وتدريسها, أو مناقشتها في إعلامنا أو حتى التحدث عنها علناً، فكيف نتوقع أن تعرف شعوب العالم شيئاً عنها؟ مي رافع الزهير - الرياض