أخذ التطرف على عاتقه في السنوات الأخيرة أن يذكر السعوديين بنفسه، كلما ظنوا أن نجمه أفل وولَّى إلى غير رجعة. لكن العلماء والمفكرين حاولوا مواكبة المرحلة بمواجهة نقدية للأفكار، يختلف الباحثون في تقويم فاعليتها. عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية سابقاً، عضو لجنة مناصحة المتطرفين، في منطقة المدينةالمنورة، الدكتور عبدالسلام بن سالم السحيمي، يعتبر أحد المهتمين بالمسائل الفكرية، التي استحالت رصاصاً وأشلاء، فألف كتاباً، انتقد فيه العوامل التي أفرزت حالة التطرف. وحمل بعض الجماعات الإسلامية طرفاً من المسؤولية في ظهور الإرهاب. وفي ما يأتي نص حديث معه: نسبت في كتابك الذي ألفته أخيراً أعمال العنف والإرهاب في السعودية إلى الجماعات الإسلامية، التي لها جذور ممتدة إلى السعودية، هل تعتقد أن هذه الجماعات ترتبط بصلات وطيدة مع الداخل في السعودية؟ - الذي ذكرته هو أن من أسباب العنف والإرهاب في السعودية تأثر بعض أبناء بلادنا السعودية بالفكر التكفيري الخارجي نسبة للخوارج، وأن من أسباب وجود هذا الفكر في هذا العصر وجود الكثير من المؤلفات، التي اتخذت مسميات عدة وأساليب متنوعة، لكنها في النهاية تتبع لفكر جماعات إسلامية ذات تنظيمات سرية وتتسم دعوتها بالتكتم والتلون، ولها منهج خفي يخالف ما تعلنه في الظاهر، فيصار إلى كل واحد من المنهجين الظاهر والخفي بحسب الحاجة إليه، وذكرت في أول الكتاب التنظيم لإقامة الدولة عند الخوارج والطرق التي يسلكونها في تحقيق ذلك وأنه يمر بمراحل أربع، مرحلة الكتمان ومرحلة الشراء ومرحلة الدفاع ومرحلة الظهور، وكل مرحلة لها تخطيط وتنظيم بحسب المكان والبلد. هل لديك بعض الأمثلة على ما تقول، خصوصاً أنك تصف مراحل وطرق من تسميهم بالخوارج بدقة؟ - كل ذلك موثق من كتبهم، هذه الأفكار بعينها صارت تطبقها بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة وكتبهم ومقالاتهم تشهد بذلك، ومن هذه الجماعات جماعة الإخوان المسلمين بتوجهاتها الثلاثة، البنائي نسبة إلى حسن البنا والقطبية نسبة إلى سيد قطب، والسرورية نسبة إلى محمد سرور والجماعات الأخرى التي تولدت من هذه الجماعة الأم، وركزت في الدراسة والبحث على هذه الجماعة لأنها الحاضنة للجماعات الإسلامية المعاصرة. لذلك فإن فكر الإرهاب والعنف في بلادنا متأثر بأدبيات الإخوان المسلمين سيما إذا علمنا أن رموز وقادة الإخوان المسلمين وفدوا للسعودية منذ فترة طويلة من أيام حكم جمال عبدالناصر، وقام بعضهم بتجنيد الشباب السعودي للدخول في تنظيم الإخوان. ما الأفكار التي طرأت على مجتمعنا السعودي من وجهة نظرك ولم تكن من قبل موجودة فيه، بعد تغلغل فكر الإخوان والتبليغ فيها ؟ - الحقيقة أن الأفكار التي طرأت على المجتمع كثيرة، منها انتشار الكتب الفكرية والأشرطة الحماسية من أناشيد تحريضية، ومنها تقسيم المجتمع إلى إسلامي وغير إسلامي مع أن مجتمعنا السعودي مسلم كله، ومنها التساهل في إطلاق الألقاب الشنيعة، ومنها التنفير من العلماء الناصحين المتبعين للسنة، ورفع راية من ينتسب إليهم ولو كان من أجهل الناس وتلميعه والثناء عليه، ومن أخطرها، وهو ما ركزوا عليه كثيراً، إضعاف الانتماء للوطن بل قد يوصلون الانتماء للوطن، إلى درجة الشرك، إمعاناً في إبعاد الناس عن ذلك، وركزوا على البلاد السعودية أكثر من غيرها لوجود العلماء الكبار فيها، كذلك لوجود الولاة المخلصين لدينهم، ومنها التركيز على الأنشطة اللاصفية والمراكز الصيفية والمخيمات الدعوية والمكاتب التعاونية، لعدم ضبط المناهج فيها وتحديدها بدقة، فينفذون من خلالها، وليس المقصود التقليل من أهمية تلك المناشط، ولكن المطلوب حمايتها لكي لا تستغل. "الإخوان المسلمون"في رأي البعض هي الجماعة الأكثر شعبية في العالم الإسلامي، ومع هذا فإنك بالتصريح تشير إلى أنها السبب في دخول الفكر الإرهابي للسعودية ؟ - أما كون الجماعة الأكثر شعبية في العالم الإسلامي فهذا يحتاج إلى إحصاء دقيق، ثم إن العبرة في الشرع ليست بالكثرة وإنما بصحة المعتقد وسلامة المنهج وحسن الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك، والإخوان يملكون أموالاً طائلة ونفوذاً في هيئات الإغاثة والمناشط الدعوية كما صرح بعض قادة الإخوان، كما يملكون إعلاماً قوياً ساعد في الدعاية لهم ومعظم الرأي العام صامت، إما أنه لا يدري عن حقيقة ما يجري، أو لا يريد الدخول في شيء من ذلك، ثم إن العبرة هي بالحقائق وبقول أهل الحل والعقد، وهؤلاء نجد رأيهم يحذّر من فكر هذه الجماعة، ويظهر أنه سبب قوي في دخول هذا الفكر إلى بلادنا إن لم يكن السبب الرئيسي، وقد قال وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز إن الإخوان صاروا يجندون الناس ويجيشونهم ضد هذه البلاد، إضافة إلى أن عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان صرح في تقديمه لكتاب"حقيقة الدعوة في جزيرة العرب"بأن هذه الجماعة وجماعة التبليغ معاديتان لعقيدة هذه البلاد وقد غزتا بلادنا غزواً فكرياً. استشهدت في كتابك بفتوى دينية لأحد العلماء في السعودية، ينفي فيها أن تكون المناهج التعليمية سبباً للإرهاب مع أنك أكدت في الكتاب ذاته أن هذه الجماعات تغلغلت في المؤسسات التعليمية، بدليل وجود كتب سيد قطب وحسن البنا؟ - ما زلت عند رأيي وبالأدلة أن المناهج والمقررات الشرعية لم تكن سبباً للإرهاب، وأوضحت في إجاباتي كيفية تغلغلهم وأماكن ذلك، والمناهج التعليمية وإن بقيت سليمة من حيث الجملة، إلا أن المعلم إذا كان على منهجهم فإنه يخرج عن المنهج المقرر، ومازال المتأثرون بفكر هذه الجماعات يحثون التلاميذ والمتلقين على كتب الإخوان، بل قد يحيلون الطلاب عليها، على اعتبار أنها من ضمن المنهج المقرر، ناهيك عما يوزع في الأنشطة اللاصفية والمراكز الصيفية والتجمعات الدعوية والتسجيلات الإسلامية من كتب وأشرطة، تخدم منهج الإخوان وتدعو إليه، وبعضها يشيد به صراحة. ما يزال المسؤولون في السعودية يؤكدون أن الأنشطة الخيرية خالية من الدعوة إلى العنف والإرهاب، وتزعم أنهم متمكنون من النوادي الرسمية كمراكز الأحياء والمراكز الشبابية، هل ترى أن هناك قصوراً أو إهمالاً من القطاع الحكومي حتى وصل هؤلاء إلى مراتب ومناصب مكنتهم من إيصال أفكارهم للناس؟ - الذي ذكرته جاء أثناء كلامي عن خطط الخوارج قديماً والأماكن التي يركزون عليها، وذكرت ذلك في مبحث مستقل، وأكدت بالنقول الموثقة أن الإخوان المسلمين تبنوا تلك الأفكار وروجوا لها، ولم أزعم أنهم متمكنون في السعودية من المراكز المذكورة، ولا أظن أن أحداً ينفي وجود أصحاب هذا الفكر في تلك المراكز، لأن الجماعات ذات التنظيمات السرية تتلون ولا تتخذ طابعاً معيناً بحيث يعرف النشاط ويحاصر، بل يغيرون الأسلوب والطرح والمكان بحسب ما يرونه مناسباً في كل وقت ومكان. والقطاع الحكومي بذل ومازال يبذل جهوداً كبيرة من أجل حماية المجتمع من الأفكار المنحرفة، وفي مقدمهم ولاة الأمر والعلماء الكبار من هيئة كبار العلماء ومن كان على منهاجهم، لكن في نظري أن الأمر خطر جداً ويحتاج إلى تكاتف الجهود. حينما أفردت جزءاً من كتابك في الحديث عن رواد تنظيم الإخوان ذكرت أسماء بالتصريح، لكنها لمن هم خارج السعودية، فلماذا لم تذكر أسماء صريحة لمن ينتسب إلى تنظيمهم؟ - ذكرت بعض أسماء من هم خارج السعودية لسببين، أحدهما أنهم يصرحون بانتمائهم للإخوان، ومنهجهم واضح في ذلك، والسبب الثاني أنهم هم أصل الفكر ومنبعه، ولم أصرح بأسماء من ينتسب للتنظيم داخل السعودية لسببين، أحدهما أنهم لا يصرحون بانتمائهم بل قد يصرحون بعكس ذلك، والسبب الآخر أنهم فرع وناقل للأصل الذي هو خارج السعودية، ثم إن منهم داخل السعودية، ممن تأثروا بهذا الفكر، من أظهروا بعض التراجع عن طرحهم السابق، وإن كان ليس بالشكل الذي يزيل الغموض، والمقصود بالدرجة الأولى هو التحذير من الفكر المنحرف أياً كان حامله. هناك من يستغرب طرحك وهجومك العنيف على الفكر الديني مع أنك أحد المنتمين إليه؟ - يجب أن نفرق بين نقد الدين ونقد بعض من يحمله ممن خالف هذا الدين، فنقد دين الإسلام أو انتقاده كفر يخرج من الملة، بينما نقد بعض المسلمين من أجل مخالفتهم لشيء من الدين هذا يدخل في النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والفكر الذي انتقدته هو فكر لجماعات مخالفة لأهل السنة في جوانب عقدية ودعوية ومنهجية سبق ذكر شيء منها، وأنا أتبع في ذلك العلماء الكبار في هذه البلاد، الذين انتقدوا هذه الجماعات وحذّروا من أفكارها.